رسالة حبّ إلى كيتو

السبت 15 فبراير 2014


موعدك ثانٍ مع فتاة يعني أنك معجب بها، لو تخطيتما الموعدين إلى ثالث فهناك إذن شيء مميّز.

لقائي الأول بكيتو كان مصادفةً، لم أخطّط له، بل منحني ذلك الفراغ السعيد من الوقت بين مغادرة حافلة ووصول أخرى فرصة التجول في المدينة. وها أنا هنا أزورها للمرة الرابعة. نعم، لا أستطيع الإنكار. أنا عاشق.

بالطبع أنا عاشق ناقد لما أعشقه. لا يذهلني جماله فيحجب عيوبه. لكني، كأيّ رجل نبيل، لن أتحدث عنها.

دائمًا ما أدخل إلى كيتو بالطريقة نفسها، من الأسفل، أيّ من الجنوب، عبر كيتومبي. جعلني ذلك استخدم الترام للوصول إلى وسط المدينة. ويجب أن أذكر أنّ ربع دولار يكفي لإتمام صفقة رابحة لنقلك عبر المدينة. بتلك الطريقة تمكّنت من رؤية وتقدير كل ما في الجانب الجنوبي من تنوّع، ذلك الجزء الشعبيّ من المدينة.

أنزل إلى ميدان سانتو دومينجو. أقطع بضعة أحياء متعجّلًا لأصل إلى الفندق حيث أترك كلّ شيء. أنتزع الكاميرا وأخرج ركضًا إلى معشوقتي بقلبٍ شديد الخفقان. أعني ذلك حرفيًا. في كيتو الارتفاع ليس كبيرًا، لكنك تستشعر كلّ متر من أمتارها الألفين وثمانمئة فوق سطح البحر.

أن تلتقي من تحبّ بعد فاصل زمنيّ تجربة ساحرة تُعيد فيها اكتشاف ما تعرفه بلهفة. ورغم أنّ عقلك لا يتوقف عن تفقّد التغيّرات وعقد المقارنات، فشعور اللقاء من جديد يطغى على كلّ شيء.

يجب أن أشير هنا أنّه كما يحبّ البعض الشقراوات أو المبهجات، أحبّ أنا المدن ذات التاريخ، وأن أستشعر ذلك التاريخ بينما يمتعني النظر إليها. المباني الضخمة ومراكز التسوق الحديثة لا تدهشني، ولكن ضعني بين أطلال أو أمام كنيسة قديمة واحكِ لي ماذا حدث هناك.. وسأظلّ معك للأبد.

أحد الأشياء التي تعجبني في كيتو هو أنّ تاريخها جزء من تاريخي. الكثير من الأشياء التي حدثت هنا متصلّة بتاريخ بيرو. كانت كيتو جزءًا من إمبراطورية الإنكا تاوانتينسويو: كيتو ( مملكة كيتو الشعبية وقتها) كانت جزءًا من التاج الإسباني في بيرو. وبالتالي تجد الكثير من أسماء ماضي بيرو حاضرةً هنا كذلك: آتاولابا، بيثارّو، سوكري، بوليفار. يشبه الأمر سماع نسخة جديدة عن حكاية قديمة.

ذكرت الكنائس قبل قليل، وليس للأمر علاقة بالتعصّب للكاثوليكيّة، وإنما لأن الكنائس التي تركها الاستعمار جديرة بالإعجاب وكان نصيب كيتو منها كبيرًا: سانتو دومينجو الأجمل (والمهمَلة قليلًا رغم ذلك)، سان فرانسيسكو، لا كومبانيّا؛ جميعها تزخر بأعمال فنيّة رائعة ورسوم من المدرسة الكيتويّة. كاتدرائية العهد الحديثة ذات الطراز القوطي هي على الأغلب الكنيسة الوحيدة التي بإمكان مرشد سياحي تصنيف زيارتها كرياضة خطرة (اذهب وحاول تسلّق تلك الأبراج وستفهم ماذا أقصد).

هل ترغب في زيارة متاحف كيتو؟ لقد قطعت أنفاسي. ستجد واحدًا بعد كل شارعين في مركز المدينة التاريخي، هذا بالإضافة إلى الموجودة داخل كل كنيسة. وإذا قضيت نهار يوم الأحد متجولًا في المدينة ستستمتع بعروض ثقافية مختلفة في الشارع. في إحدى المرّات صادفت فتاة من بيرو تعلّم رقص الأواينو للناس، هل تتخيّل ذلك؟

يجب أن أعترف أنّ الأكل رائع، باستثناء أمر أو اثنين يعتبرهما البيرويّ من المحرّمات، ستحبّه. ولا تتقيّد بالأكل في المطاعم، جرّب ما تراه في الشارع (ستعجبك شطائر الجبن بالتين) وبالتأكيد لا تنسى الذهاب إلى بيكانتريّا (مطعم متخصّص في الأكل الحارّ) حيث تُقدَّم الأطباق الجيدة والرخيصة. لو استطعت مثلي الذهاب بصحبة فتاة محليّة تساعدك بتقديم الاقتراحات بالطبع سيكون ذلك أفضل.

تعهّدت بعدم ذكر العيوب لكن هناك أمرًا لا أستطيع التغاضي عنه وهو سائقو التاكسي. (آسف، حبيبتي، لكن كان لابدّ من ذكره). الأسوأ في سائقي التاكسي هنا هو الجشع. اعتدت في ليما أن أرفع يدي بسعر التوصيلة الذي أراه مناسبًا وإن لم أتوصل لاتفاق عادل مع السائق أتوصل مع من يليه. عروض سائقي التاكسي القليلة في كيتو دومًا ما تفاجئني سلبًا.

ولكن كما بين أيّ عاشقيّن حبّهما حقيقيّ، نتجاوز اللحظات السيئة سريعًا ويعود الحبّ. ولو أنّ هناك شيئًا يرمز لحبّي فهو عذراء بانيثيّو المستوحاة من عذراء كيتو. يأسرني تأمّل الجمال العذب لتلك العذراء المجنّحة المثبّتة في لحظة تبدو فيها في منتصف خطوة معقّدة لرقصة غريبة ويحملني إلى هنا.

تملك كيتو كل المزايا الأخرى التي تطمح إليها: مراكز تجارية، حياة ليلية، حدائق خلّابة، ساحات مهيبة، ومئات الأشياء يجعلك اكتشافها توقن أنها استحقت عناء التجوّل فيها. امشِ فيها بروح مغامِرة وبصبر (لأنّ حالة المرور بشعة). لا أحد كامل كما تعلم.

في شوارعها الملتوية قد تجد أحيانًا أناس يرقصون بعفوية، نهارًا كان أو ليلًا، أو حفل استقبال لزفاف منصوب في ميدان عام ب سعادة عارمة. ولو مررت يوم الاثنين بالميدان الكبير قدّ تشهد ثورة المواطنين على أرض الواقع. بمعنى أن رئيس الجمهورية شخصيًا يحيّي الشعب في مراسم تغيير الحرس.

على الرغم من كل ما تقدّمه هذه المدينة، وقدّ أكون متحيّزًا، يجب أن أعترف أن ما يجذبني إلى كيتو بشكل خاص هو أنها لا تشعرني بالغربة. يرجع جزء من هذا إلى طبيعة الناس، ويرجع الجزء الآخر إلى عمارة المركز التاريخي للمدينة وما تقدّمه ثقافيًا (حتى القراصنة استطعت إيجادهم). مناخها على الأغلب لطيف، ربما يرجع ذلك إلى مزيجها الخاص من كل ذلك، ذلك العنصر الذي “لا أعرف كيف أسمّيه” الخاص بها. أو لأقولها ببساطة: لأنك تعرفين كيف تمنحيني شعورًا رائعًا يا عزيزتي.

للإضافة: إن كنت مهتمًا بمعرفة المزيد عن كيتو من أناسها فإليك مصدرين على موقع فيسبوك: كيتو الخفيّة وهي صفحة خاصة بالصديق جالو بيريز الذي أجريت معه حوارًا كجزء من هذا المقال، و كيتو: من الضيعة إلى المدينة وتعني الصفحة بجمع صور قديمة للمدينة.

نُشر هذا المقال في الأصل على مدوّنة Globalizado لخوان آرييّانو

مصادر

عدل