الطّريق لا تزال طويلة: قصص الذين عبروا الحدود الصّربيّة الكرواتيّة

الخميس 1 أكتوبر 2015


على بعد بضعة كيلومترات من المدينة الصّربيّة الصّغيرة سيد، شكلت حقول الذّرة معبرًا لعشرات آلاف النّساء والرّجال والأطفال الذين يبحثون عن ملاذ وحياة أفضل. وتحيط بهذه الطّريق غير الرّسميّة بين صربيا وكرواتيا حقول خضراء ومشمسة مع بساتين للتّفّاح على مسافة قريبة وسكون وفّر بعض الرّاحة المؤقّتة للّذين أمضوا أسابيع أو أشهر على الطّريق. للحظة يتمكّن المسافرون من إزاحة تفكيرهم عن تهديد الحدود العسكريّة والذكرى القريبة للظّروف الّلا إنسانيّة الّتي عانوا منها على الطّريق حين يتوقّفون لشرب عصير التّفاح الطّازج الذّي قدّمه لهم مزارع محليّ وللدردشة والإستراحة قبل متابعة رحلتهم.

يحمل الأهل الرّضّع بين أيديهم وأطفالهم إلى جانبهم وحقائبهم على ظهورهم. تحوي هذه الأخيرة الممتلكات التّي استطاعوا إنقاذها من حياتهم التّي توقّفت. نارين وهي معلّمة من الموصل تتردّد في حين هي ومجموعتها من النّاجين من إيزيديّين وأكراد من العراق يقتربون من سيّارة الشّرطة الوحيدة الواقفة على النّقطة حين يتحوّل بعد بضعة أمتار حقل الذّرة في صربيا إلى حقل ذرة في كرواتيا .

«النص الأصلي:Every step away from Iraq, from the massacres of our people and those we left behind, has been so difficult. This seems too easy; we’ve forgotten what it is like to feel safe»

«ترجمة:أصبحت كلّ خطوة تبعدنا عن العراق وعن ذبح شعبنا والذّين تركناهم خلفنا أصعب فأصعب. هذا سهل جدًا فلقد نسنيا ماهية الشّعور بالأمان.»

وصلت فاطمة وهي حامل بطفلها الثّالث منهكة ولكن رغم الحرّ والغبار والمسافة تستذكر الرّحلات العائليّة إلى بلدة أهلها في سوريا. وينطلق ابنها محمد علي البالغ ثلاث سنوات أمامها. يرتدي حذاءً مفتوحًا وسروالًا قصيرًا وسترةً كبيرة الحجم. يجرّ لعبةً محشوّةً زرقاء أعطاه إيّاها المتطوّعون في معبر سابق. وقالت فاطمة:

«النص الأصلي:He never lets go of that unicorn. He feeds it and sleeps next to it and tells it stories about our journey»

«ترجمة:لا يتخلّى أبدًا عن هذه اللّعبة، يطعمها وينام جنبها ويخبرها قصص رحلتنا.»

يمسك محمود، وهو طالب فلسطيني من مخيّم اليرموك للّاجئين في دمشق، يد ابن أخيه ويقول:

«النص الأصلي:This is our fate. We are experiencing what our grandparents and parents experienced. But with each generation, each exile, we are being scattered further away from home»

«ترجمة:هذا قدرنا. لقد اختبرنا ما عرفه أجدادنا وأباؤنا. ولكن مع كلّ جيل ومع كلّ هجرة نبتعد أكثر عن وطننا.»

لاحقًا، وخلال السّاعات السّبع التّي انتظروا فيها لتسجيل أسمائهم أمام شرطة الحدود الكرواتية التّي تبدو متعاطفة مقارنةً مع غيرها، ينشد محمود أغان عن الخسارة والصّراع والحبّ للّذين يجلسون بالقرب منه. وبعد بزوع الفجر، تصل الباصات محمّلة بدفق مستمرّ من هؤلاء الّذين يبحثون عن ملاذ يحميهم من مواقف عديدة تتضمّن الحرب والنّزاعات والإضطهاد والهشاشة العامّة. بيد أنّهم يتشاركون جميعًا هذا الشّعور بالتّشريد والهشاشة يعبّرون عنه من خلال الكلمات والأسئلة والمطالب. فترى أكتافهم المتوتّرة وأنفساهم التّي يأخذونها حين يستعيدون ذكريات الماضي البعيد والقريب.

يرافق كمال وصبيحة وهم ثنائي متوسّط العمر من الموصل قريبهم الجليل جمال الذي يعاني من مصاعب الطّريق التّرابي والعكّازات. كان كمال في المستشفى يتعافى من نوبة قلبيّة حين سقطت الموصل في يد الدولة الإسلاميّة منذ عام تقريبًا. وعاد مع زوجته وابنه البكر ليجد منزله وقد سُرق وأنّ أولاده المراهقين الأربعة قد اختفوا بما فيهم ابنتهم التّي تبلغ ثلاثة عشر عامًا. بقوا في العراق محاولين العثور عليهم لأكثر من عام قبل أن يغادروا آملين بمستقبل أفضل لأولادهم. بينما تسير تبدأ صبيحة بالبكاء فإذ بزوجها يعانقها ونرى عليه ملامح التّأثّر. وبعدها، يعبران الحدود يد بيد مع جمال الذي يعرج إلى جانبهما.

الشّباب والشّيوخ والمقعدون الذين يحملهم أصدقائهم وأهلهم بالإضافة إلى الجرحى والمسافرين بأنفسهم والأزواج الشّباب يترجّلون يدًا بيد من الباصات عند بلدة هادئة في صربيا ثمّ يقطعون بضعة كيلومترات مشيًا على الأقدام ليدخلوا بلدةً ثانيةً هادئةً في كرواتيا. وهناك في خضمّ الفوضى المهينة والمنهكة سينتظروا أيّامًا عديدةً داخل محطّة قطار توفرنك المعرّضة للطّقس أو في المخيّمات التّي يديرها المتطّوعون الأكثر تنظيمًا والأكثر ترحيبًا أو في المخيّمات التّي أقامتها الحكومة لمعالجة الوضع وذلك بانتظار وسيلة نقل يأملون أن تقرّبهم من وجهتهم الأخيرة حيث تتنظر بعضاً منهم العائلة الكبيرة والأصدقاء أو شبكات الدّعم.

وفي وقت لاحق مع حلول الظّلام يعبّر الوافدون عن خوفهم وشكوكهم. ويجدون أنّ الطّريق غير محدّدة باستثناء وجود مجموعة من المتطوّعين. وهؤلاء الّذين يسيرون يحاولون البحث عن الطّمأنينة آملين أنّ الطّريق ومحيطها أصبحت خاليةً تمامًا من الألغام الأرضيّة وأنّهم لن يُحتجزوا ولن يواجهوا وحشيّة الشّرطة. وهذه بعض الأصداء التّي وصلت من المشرّدين في هرغوس وروسكسي على الحدود المجريّة.

وتحت السّماء التّي تتلألأ بالنّجوم يمشي خالد الشّركسي ذو 77 عامًا من القنيطرة مع عائلته الكبيرة متّكئًا على عصاه. يرفض بكلّ تهذيب عرضنا لمساعدته على كيس كبير يحمله على ظهره. ونصح باقي المسافرين قائلاً:

«النص الأصلي:Continue to trust yourselves and each other. We are strong and will face whatever difficulties lie ahead of us as we have faced everything else on this journey»

«ترجمة:استمرّوا بالوثوق بأنفسكم وبالآخرين.. نحن أقوياء وسنواجه كلّ الصّعاب التّي أمامنا كما واجهنا كلّ المصاعب خلال رحلتنا.»

ومن جهة أخرى نرى امرأة من إريتريا ومسافر وحيد من الكونغو يتشاركان كيسًا من البرتقال. تقول مريم وهي طالبة تمريض تبلغ 22 عامًا:

«النص الأصلي:We have travelled from further away and are more used to the hardships of travelling and to walking long distances. We are young and strong but it is so difficult to see how all these children suffer.»

«ترجمة:أتينا من مكان بعيد وأعتدنا على مآسي السّفر والسّير لمسافات طويلة. نحن أقوياء ولا زلنا شباب إلّا أنّه من الصّعب علينا رؤية كلّ هؤلاء الأطفال الّذين يتعذّبون.»

ونجد طفلاً عراقيًا يناشد أبيه ليحمله رغم أنّه يحمل أخاه الأصغر وأمتعتهم. فرجليه كأرجل العديد منهم تقرّحت وبذلك كلّ خطوة تصبح أصعب فأصعب. ويشهق ويتلمّس أبيه ثمّ يبكي بصمت فيجرّه والده معتذرًا قلقًا من أن تُغلق الحدود ويبقوا مشرّدين. أخذنا الطّفل إلى الخيمة الطّبيّة حيث ضُمّدت قدميه. وتابعوا سيرهم خلال اللّيل.

زينب ومصطفى طفلان مقعدان تنقلهما عائلتيهما بواسطة سيارة للمتطوّعين في الحقول. تتكلّم والدة مصطفى عن الصّعوبات التّي واجهوها خلال الأسابيع الماضية. فخلال عبورهم لبحر إيجة بدأ الزورق المطاطي المكتظّ بالرّكّاب بالغرق وبهدف أن يبقى عائمًا اضطروا التّخلّص من الوزن الزّائد عبر رمي ممتلكاتهم في البحر. وكان عليها أن تقنع الرّكاب الآخرين أن يستثنوا كرسي مصطفى المدولب والثّقيل. وقالت أنّه من الصّعب إبقاء ابنها نظيفًا بعد النّوم في الشّوارع وفي المخيّمات المؤقّتة. وأضافت:

«النص الأصلي:I feel like I am failing him. I cannot change or bathe him regularly, and he feels very embarrassed when I have to do so without privacy.»

«ترجمة:أشعر بأنّي أخذله. لا يمكن أن أغيّر له أو أغسله باتنظام وهو يشعر بالإحراج حين أقوم بذلك دون أن يحظى بأيّ خصوصيّة.»

ترافق ريما وهي طالبة حقوق من حلب في سوريا وأمّ هبة 8 سنوات والتّي خسرت أهلها مؤخّرًا. باقي عائلة هبة في السّويد بإنتظارها. تلتفت من حولها لترى مئات الأشخاص الّذين يسيرون في الحقول. النّجوم التّي تتلألأ فوق رأسها وهلال القمر غير كافيان لإنارة الطّريق. ويعتمد السّائرون على ضوء هواتفهم المحمولة لمساعدتهم على البقاء معًا في حين تخفّف بعض العائلات سرعتها منهكة من الرّحلة ومن مئات الكيلومترات التّي قطعوها على أقدامهم.

لا تزال الطّريق طويلة أمام الذّين عبروا حتّى الآن وهم يدركون أنّه لا تزال هناك حدود مسلّحة يجب أن يقطعوها وظروف مهينة سيعيشونها.

إلّأ أنّ مقاومة هؤلاء الذّين يبحثون عن ملاذ آمن وشجاعتهم وقوّتهم لا يمكن قياستها في حين يسيرون في هذه الحقول وفي الطّرقات وعبر الحدود التّي ستقودهم نحو الأمل والفرص التّي ستخّولهم لبناء حياة كريمة.

كيفا بوترلي هي منظّمة إيرلنديّة وناشطة من أجل عدالة المهاجرين وطالبة دراسات عليا. عملت أربعة عشر عامًا مع الحركات الاجتماعيّة ومشاريع تنمية المجتمع في أمريكا اللّاتينيّة والعالم العربي ومناطق أخرى.

مصادر

عدل