اليوم الذي أصبحت فيه مجرد رقمًا غبيًا: رحلة أحد اللاجئين السوريين إلى أوروبا
الخميس 23 يونيو 2016
كُتب الكثير عن اللاجئين خلال العامين الأخيرين، ولكننا نادرًا مانسمع من اللاجئين أنفسهم إلا في بعض التسجيلات الصوتية. أصدرت جلوبال بوست، مؤسسة إخبارية دولية ضمن عائلة PRI، مقالات لخمسة من الشباب السوريين الذي اتخذوا قرار صعب بترك بلدهم — وخاضوا رحلة محفوفة بالمخاطر للخارج، لتركيا، لليونان، وعبر جنوب أوروبا.
نُشرت هذه المقالة لسوزان خالد موسى، 25 عامًا، بالأصل على PRI.org في 31 مايو/ أيار 2016, ونُعيد نشرها هنا بعد الموافقة.
بعد رحلة طويلة في بحر أيجة، وصلنا لجزيرة نيرا اليونانية الصغيرة في حوالي الساعة 3:30 في صباح يوم 3 أكتوبر/تشرين الأول 2015. كان هناك العديد من صيادي السمك، الذين ساعدونا بعد رسو القارب. أرادوا الحصول على المحرك الخاص بالقارب لأنه كان يعتبر ثميناً بالنسبة لهم.
كنا غير مصدقين لأنفسنا عندما رأينا أقدامنا على اليابسة مرةً أخرى. قررنا أخذ قسط من الراحة في غرفة صغيرة قريبة من الشاطئ. لم يكن هناك متسع يكفي الجميع. لذلك بقى الأطفال والسيدات فقط بالداخل. جعلت من حقيبتي وسادة ومن معطفي غطاء، كان الجو قارص البرودة لدرجة لم تمكنني من النوم. عندما بدأ الضوء في البزوغ، سرنا إلى نقطة الشرطة المحلية. كان تبعد حوالي 4 كيلومترات.
وصلت العديد من القوارب إلى الجزيرة في نفس الليلة. كان يقف المئات من الأشخاص بانتظار دورهم للتسجيل ليتمكنوا من استقلال قارب آخر لجزيرة كوس. عندما جاء دوري للدخول للمكتب في جزيرة نيرا، كتبوا على يدي رقم 17. لن أنسى اليوم الذي أصبحت فيه مجرد رقمًا غبيًا في قائمة طويلة غير إنسانية. يالعار الإنسانية في هذه اللحظة البائسة التي أصبح فيها البشر غير آدميين. أتممت كل الأجراءات كما يجب أن تكون ليكون بمقدوري التوجة إلى كوس، حيث انتظرتنا السلطات بقائمة أسمائنا. ساعدتنا هذه القائمة في استقلال سفينة أخرى متوجهة إلى أثينا. استغرقت الرحلة 12 ساعة. وصلت إلى أثينا في صباح اليوم التالي وافترقت عن عائلة أصدقاء زوجي وقابلت صديق يوناني ساعدني في استقلال الباص المتوجه إلى الحدود المقدونية. كانت الساعة 11 مساءً.
«النص الأصلي:“عندما جاء دوري للدخول للمكتب في جزيرة نيرا، كتبوا على يدي رقم 17. لن أنسى اليوم الذي أصبحت فيه مجرد رقمًا غبيًا في قائمة طويلة غير إنسانية.”»
وصلت إلى الحدود في تمام الساعة 6 صباحًا. تجادلت مع أحد الحراس على الحدود لأنه كان يتعامل بشكل غير عادل. حيث سمح لبعض الوافدين الجدد بالعبور على الرغم من وجود بعض المنتظرين منذ وقت طويل. قال لي “تبدين عصبية، لو أردتي يمكنك العودة إلى بلدك والبقاء هناك”. لم أكن لأصمت لولا أن طلب مني صديق الهدوء. كوني لاجئة أو ضحية حرب لايعني التزام الصمت عند التعرض لإهانة. لم أترك سوريا من أجل أموال أوروبا. تركت سوريا لأن العالم كله كف بصره، وأغلق مسامعه والتزم الصمت تجاه مايحدث في سوريا من كارثة إنسانية اُرتكبت بإيدي البشر.
دفعنا 25 يورو (27 دولار) لكل فرد من أجل استقلال قطار يشبه لحد كبير صندوق قمامة قديم. لاتوجد كلمات تصف مدى قذارته ورائحته الكريهة. وعندما كدسونا في القطار، تحرك ببطئ شديد كما لو كان يسير على قشر البيض وهو التعبير الذي نستخدمه في سوريا لوصف الحركة البطيئة. وصلنا الحدود الصربية أخيرًا. في تلك المرحلة تمنيت لو لم أبدأ هذه الرحلة. كان هذا أسوأ ماعايشناه بعد سيرنا أربعة أميال لأول مدينة حيث مركز التسجيل. لا استطيع تذكر اسم المدينة. كنت في غاية الارهاق. كنت أتمنى لو عرفت اسمها حتى أخبر العالم عن مدى سوء الوضع هناك. كانت من المفروض أن تكون مكانًا حيث يستريح الناس قليلًا. ولكن اللاجئين كانوا مشردين في الطرقات ولم يكن يسمح لهم بالدخول إلا إلى مراكز التسجيل ليتحولوا فقط إلى أرقامًا. كانت صدمة أن ترى الآلاف ينتظرون ويتدافعون، وكيف كان يتعامل البوليس الصربي بشكل سيء مع اللاجئين. لقد قاسينا ما لا أتمنى لك أن تمر به إلا لو كنت فعلا تشعر بيأس حقيقي. قابلت العديدين ممن كانوا يضطرون للنوم في الطرقات بانتظار انتهاء أوراق التسجيل السخيفة.
لا شيء في هذه الرحلة عقلاني أو إنساني.
بعد الانتظار الذي لايؤمل شيء منه، قابلت صحفية صربية. كانت سيدة لطيفة ساعدتني على التأقلم سريعًا. حتى أنها ساعدتني أيضًا في الحصول على إذن لاستقلال الباص للتوجهه إلى كرواتيا لساعات قليلة حتى أتمكن من رؤية مكان مختلف حيث يتصرف الناس بشكل مختلف. رأيت أناس رائعين لديهم أحساس وشفقة. كانوا محترمين بشكل مدهش. حصلت على شاي ساخن وبعض الراحة. في نفس ذات اليوم استقليت القطار إلى المجر وعلى هذا القطار حصلت أخيرًا على قسط النوم.
لم أرى شيء في المجر عندما وصلت في الليل وصعدت على متن القطار فورًا. ولكني لم أر الأسوار والحوائط الجديدة على حدود المجر مع كرواتيا، التي سُتغلق بعد وصولي ألمانيا بأسبوع. باب آخر اُغلق في وجه اللاجئين. بعد عدة ساعات كنت في فيينا، النمسا. أقمت لليلة في أحد المجمعات الرياضية والتي أُعُدت لاستقبال اللاجئين. في هذه الليلة نمت وكأني لم أنم من قبل، على الرغم من أنه كان مكانا مفتوحًا يستطيع أي شخص رؤيتك.
توجهت في الصباح إلى محطة القطارات الرئيسية وحجزت تذكرة إلى ألمانيا. كنت خائفة جدًا من الإمساك بي في باساوو تلك المدينة الحدودية في شمال ألمانيا على الحدود مع النمسا. رغبت بشدة برؤية زوجي الموجود في ألمانيا. في طريقي لم أتحدث الألمانية إطلاقًا حتى لا يعرف أحد أني لاجئة. قابلت بعض الأمريكيين على متن القطار، كانوا سياح. تحدثت معهم قليلاً عن رحلتهم. وتحدثنا أيضًا عن اللاجئين. لم تكن تشعر المرأة بالارتياح لهم على الإطلاق. لم يدرك الاثنان أني نفسي لاجئة حتى وصلنا الحدود. رأيت الشرطة الألمانية تستعد للصعود على متن القطار. تظاهرت بالنوم. ولكن كان يمكنني سماع ما يدور. أغمضت عيني لمدة نصف ساعة، كانت لحظات تبدو بلا نهاية. تم القبض على الكثير من اللاجئين والمهاجرين وتم إخراجهم من القطار. ربما لم يتم التركيز علي لأني كنت أتحدث الإنجليزية ولم أكن أرتدي الحجاب حيث كانت ترتديه النسوة الأخريات.
التقطت أنفاسي بعد أن أغُلقت أبواب القطار. استيقظت من نومي المصطنع ونظرت من النافذة، فرأيت مئات الأطفال والنساء والرجال في مختلف الأعمار يقفون في صفوف والشرطة تحيط بهم من كل جانب. كان هذا أول شيء عايشته في ألمانيا. كنت سعيدة للمرور بأمان، ولكنه لم يكن شيئًا جميلاً أن يقف هؤلاء البائسون هناك وكأنهم مجرمون، خصوصًا أولئك الذين لايريدون البقاء في ألمانيا. وضعت نفسي في مكانهم، كان شيئًا صعبًا أن ترى الآخرون ينظرون إليك بطريقة معينة معتقدين أنك قدمت إليهم بسبب الفقر. هذا مايعتقده الكثيرون إذا ذكرت كلمة “لاجئ”
سوزان هي زوجة يلمز. وتعيش الآن في مدينة صغيرة يعيش فيها حوالي 5000 نسمة في شمال ألمانيا بالقرب من هولندا. ولكنها تنتظر موعد مقابلتها مع مكتب الهجرة. ومن ثم سيكون عليها الانتظار للحصول على الموافقة الخاصة بتأشيرة البقاء في ألمانيا لثلاثة أعوام. بعد ذلك سيكون في مقدورها الإنتقال إلى برلين لتكون مع زوجها يلمز.
اقرأ المقال التالي من السلسلة: بعد شعوره بالأمان في ألمانيا، لاجىء سوري يتعلم كيف يبتسم مجددًا
مصادر
عدل- نص مؤلف ومترجم برخصة المشاع الإبداعي نَسب المُصنَّف 3.0 غير موطَّنة (CC BY 3.0). «اليوم الذي أصبحت فيه مجرد رقمًا غبيًا: رحلة أحد اللاجئين السوريين إلى أوروبا». الأصوات العالمية. 23 يونيو - حزيران 2016.
شارك الخبر:
|