تقرير خطير: هل تُوظّف الإمارات جواسيس أجانب لمراقبة مواطنيها؟

الخميس 27 أكتوبر 2016



نشر الموضوع لأول مرة على موقع رصيف22، وتعيد الأصوات العالمية نشره باتفاق مع الموقع

«النص الأصلي:هيفاء زعيتر»

دخل موقع “ذا إنترسبت” The Intercept الإلكتروني في تقرير مفصّل إلى عالم الاستخبارات الإلكترونية، الذي “تقوده الإمارات للتجسّس على الإماراتيين والمقيمين”. هكذا لاحقت الكاتبة جينا ماكلفين خيوط القصة بين إيطاليا والإمارات لتكشف سعي شركة “دارك ماتر” Dark Matter الإلكترونية إلى تجنيد خبراء إلكترونيين في مجال القرصنة ومكافحتها للعمل لحسابها من أجل “مراقبة حواسيب الإماراتيين وحساباتهم بشكل جماعي”.

تبدأ القصة مع سيمون مارغاريتللي، الباحث في مجال الأمن الإلكتروني، عندما كان متوجهاً على متن “بوينغ 777″ من روما إلى دبي، من أجل مقابلة عمل “بالغة الأهمية” في شركة “دارك ماتر” ذات القدرات المالية الممتازة، والمتخصصة في الأمن العنكبوتي.

بحسب التقرير، الذي حمل عنوان “جواسيس للإيجار” Spies for Hire، تُعرّف الشركة مهمتها بـ”حماية المنظمات – الحكومية والخاصة – الأكثر تعقيداً، عبر التصدي للهجمات الإلكترونية الخبيثة، وتوفير طرق اتصالات آمنة – عبر نظام دفاعي أكثر منه هجومياً قوامه اقتحام أنظمة الإنترنت من أجل التجسّس عليها أو تدميرها”.

جواسيس وخدمة بخمسة نجوم

تعود ماكلفين إلى الباحث الإيطالي ليروي وصوله إلى الإمارات العربية المتحدة لتمضية عدة أيام يتعرّف خلالها على طبيعة العمل، وكيف جرى استقباله بحفاوة بالغة في فندق “جنة مارينا”. سمع مارغاريتللي من مضيفيه في إطار حديثهم عن “حماية الأمن القومي حصراً” عن وجود فريق من “الهاكرز” موزع في أنحاء البلاد ويعمل لحساب جهاز أمن الدولة ويمكنه أن يصيب بكبسة زرّ واحدة كل الحواسيب الموجودة في مركز للتسوق على سبيل المثال. بموازاة ذلك، يفسّر أنه في مجال عمله يساعد الناس على مكافحة القراصنة وسدّ الثغرات الأمنية الإلكترونية. ويسعى إلى “جعل العالم مكاناً أفضل”، هكذا يعرف عن نفسه على موقعه الإلكتروني بينما يتابع عمله في شركة أمن خلوية تدعى “زمبريوم”.

على عكس المتوقع، رفض مارغاريتللي عرض العمل، وذهب أبعد من ذلك، فنشر على صفحته تعليقاً كتب فيه “كيف حاولت استخبارات الإمارات توظيفي للتجسّس على شعبها”. بدورها، وبعدما انتشر تعليق الباحث، نشرت الشركة بياناً أنكرت فيه ما جاء على لسان الباحث الإيطالي، معللة أنه كان مستشاراً فنياً فحسب قبل أن تنقطع علاقته بالشركة، وقالت “نفضّل الكلام في الحقيقة وليس الأوهام”.

بحسب الكاتبة، صحيح أن ما تقوم به “دارك ماتر” يبدو كمشهد سيىء من أفلام جيمس بوند، إلا أنه تبيّن بالفعل أن الشركة تتجسّس على الشعب الإماراتي. لم تكتف ماكلفين برواية الإيطالي، فقد أكدت مصادرها وما توصلت إليه بعد أشهر عديدة من المقابلات والأبحاث.

“دارك ماتر”: وشهد شاهد من أهله

ليس مارغاريتللي وحده من يصرّ على أن الإمارات تتجسّس على شعبها، ثمة شهود آخرون فضلوا كتم أسمائهم خوفاً من الاضطهاد السياسي أو الانتقام لكنهم أكدوا تورط “دارك ماتر” عبر المراوغة واستقطاب الموظفين. خمسة مصادر مطلعة في الشركة أكدت لماكلفين أن الأخيرة تستقطب “الهاكرز” الماهرين بما في ذلك من يعملون في الولايات المتحدة، لمساعدتها في تنفيذ هجمات واسعة لحماية أمن الشبكة، من بينها زراعة البرمجيات الخبيثة لتتبع من تريد من الأشخاص والجهات ثم القيام بالاختراق.

يعود التحقيق إلى بدايات “دارك ماتر” حين خرج رئيسها التنفيذي فيصل البناعي في قمة مدن المستقبل العربي 2 السنوي في دبي، ليعلن أن شركته تقوم بـ”خدمة الدفاع والاستخبارات الرقمية” للأمة، مستخدماً تعابير منمّقة على شاكلة “الدفاع عن شبكة الانترنت والاتصالات الآمنة”.

اقتباس فارغ!

حينها احتفت المدونات التي تعنى بالشؤون التقنية في الإمارات بالشركة وتعاونها مع الجهات الحكومية، بينما وصفتها الأخيرة بأنها “منقذ الشركات من التهديدات والخروق المستمرة”، ومن بينها الخروق التي طالت المصارف الإماراتية في العام 2015. وقد تعاقدت الشركة مع مواهب عالية المستوى من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك من “غوغل” و”سامسونغ” و”كواكوم” و”ماكافي”، وحتى مع المؤسس المشارك في خدمة الرسائل المشفرة “ويكر”.

في العام الماضي، طورت الشركة فريقها من الدفاع الإلكتروني فحسب، إلى فريق قادر على تنفيذ هجمات إلكترونية، بحسب مصادر عديدة. وفي حين تهدف شركات الأمن الإلكترونية عادة إلى ضمان خلو البرامج والأجهزة من العيوب والثغرات التي تسمح بالقرصنة، يبدو أن “دارك ماتر” ذهبت لاستغلال هذه الثغرات لبث برامج خبيثة. وعليه يصبح باستطاعتها أن تتحكم بأي كاميرا أو هاتف خلوي تريده، وأن تتدخل بالرسائل الإلكترونية، وأن توقف خدمة الإرسال نهائياً، بحسب إنترسبت.

في تصريح علني، قال المتحدث باسم الشركة إن الأخيرة “ملكية خاصة” و”لا تتلقى أي تمويل من دولة الإمارات”، ومع ذلك يبدو أن هناك روابط قوية بين “دارك ماتر” والحكومة. في بيان صحافي سابق، عرّفت الشركة عن نفسها أنها “حليف استراتيجي لحكومة الإمارات العربية المتحدة”، علماً أن مكاتبها تقع في الطابق الخامس عشر من مقر “قيادة الدار” في أبوظبي، ولا يفصل بينها وبين جهاز أمن الدولة أكثر من طابقين. أكثر من ذلك، فإن نائب رئيس “دارك ماتر” كان يشغل المنصب نفسه في الجهاز في وقت سابق.

البحث عن مواهب أمريكية و”تجنيدها”

في مطلع العام 2016، قدم موظفون جدد إلى الشركة من عدة مؤسسات تابعة للاستخبارات الأمريكية وجهاز الأمن. من بينهم كان محلل الشبكة العالمية لوزارة الدفاع الأمريكية المتخصّص بـ”أنشطة ضد شبكات معينة و”جمع الاستخبارات الأجنبية”. موظّف آخر انضمّ للشركة كان يعمل كـ”وكيل خاص” في البنتاغون. يُعرّف حساب “لينكد إن” عنه بأنه يمتلك تصريحاً أمنياً أعلى من “سرّي” ويعمل على جهاز كشف الكذب. بالإضافة إلى موظف آخر كان يعمل في وقت سابق في جهاز أمن الدولة، متخصص في “هندسة الصوت في أميركا وفي داتا البرامج”، وكثر غيرهم.

يتابع التحقيق خيوط التوظيف التي طالت الكثير من خبراء الشبكة الإلكترونية وحمايتها، بعضهم تمّ التواصل معهم لأكثر من خمس مرات، وفي بعض عروض العمل فرصة للعيش في الإمارات من دون دفع ضرائب مع تأمين مأكل وإقامة وطبابة وتعليم مجاناً. حتى أن بعض العروض وصل إلى نصف مليون دولار سنوياً.

بحسب مصادر “ذا إنترسبت”، ثمة مواطن أمريكي يُدعى فيكتور كوزنيتزوف يقسّم وقته بين الولايات المتحدة والشرق الأوسط ويتولى استقطاب الموظفين للعمل في الشركة، ولكن المحاولات الحثيثة للتواصل مع الشخص المعني لم تفلح بالحصول على تأكيد منه، بل اكتفى ببريد إلكتروني فيه أن عقده مع الشركة لا يسمح له بالكشف عن عمله، نافياً توليه مهمات التوظيف أو “التجنيد”. ويظهر في أحد الإيميلات أن خطة “دارك ماتر” تقتضي توظيف 250 “عبقرياً” قبل نهاية العام 2016.

أمن قومي أم مشكلة أخلاقية؟

أكد العديد من المصادر في “دارك ماتر”، كما مارغاريتللي، أن الشركة طلبت منهم تنظيم عمليات هجومية، ومن بينها تثبيت مجموعة من المجسات في أنحاء دبي، بما في ذلك محطات إرسال الاتصال اللاسلكي والطائرات بدون طيار وكاميرات المراقبة وغيرها. بحسب التقرير، يمكن تثبيت المجسات من قبل الشركة خلسة أو عن طريق شركات الاتصالات ذاتها بالموافقة ضمناً على المراقبة. وحينها تكون الشركة قادرة على اعتراض وتعديل الحركة عبر جميع أنواع الشبكات، بحيث يكون كل شخص لديه هاتف محمول أو يستخدم جهاز اتصال عرضة للتجسّس والقرصنة.

ونتيجة لضعف نظام “دارك ماتر” في تحمّل حجم الضغط، تم الطلب من الباحث الإيطالي وآخرين أن يساعدوا الشركة في نشر البرمجيات الخبيثة التي تساعد “دارك ماتر” على الوصول إلى الأهداف من دون أن يتم اكتشافها. هذه الجهود الضخمة تناقض ما صرحت به الشركة بأنها لن تطور قدرتها إلى تنظيم هجمات استباقية، إذ يبدو أنها فعلت، لكن العديد من الباحثين أمثال مارغاريتللي رفضوا التعاون باعتبار أن ما تريده الشركة يندرج في إطار “القرصنة الأخلاقية”.

على خط آخر، لم يكن تجنيد المواهب وسيلة “دارك ماتر” الوحيدة لتحقيق مبتغاها، يضيف التقرير. في الشتاء الماضي، تعاقدت مع موظفين من شركة أمريكية تُدعى “سايبر بوينت”، عبر عقود وُقعت مع وزارة الداخلية في الإمارات. والشركة الأميركية، التي أسسها كارل غيتمو وزوجته في العام 2009، كانت قد عرّفت عن نفسها بأنها “تقوم بأعمال دفاعية وتحمي المعلومات المالية والملكية الفكرية والسجلات التجارية، وغيرها من أشكال الاتصالات”. وبحسب تقارير صحافية، أرسلت الشركة موظفاً إلى دولة الإمارات لتدريب عناصر وكالة الاستخبارات.

ولكن في الصيف الماضي، تمّ تسريب العديد من إيميلات الشركة، وبعد فضح وجودها في الشرق الأوسط انتقل عدد من موظفيها إلى “دارك ماتر” التي ساعدتهم على تسوية أوضاعهم في الإمارات، ومع ذلك أشارت الشركة إلى أن ما حصل ليس أمراً غير عادي بل هي تستقطب المواهب من حول العالم ليس أكثر. عدا ذلك، تفيد التسريبات أن “دارك ماتر” كانت مهتمة بالموظفين الضليعين باختراق حسابات “تويتر” ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى وملاحقة صحافيين وناشطين في الإمارات. وبحسب ما أفاد بعض العاملين السابقين في “سايبر بوينت”، فإن الأخيرة تطور “اختبارات الاختراق والتقييمات الأمنية”، حتى لو كانت أجهزة الاستخبارات في العالم لا تستخدم هذه الأدوات بشكل قانوني من أجل التحقيقات الأمنية الوطنية.

طموح أم جنون تام؟

بينما يبرّر بعض الباحثين عمل “دارك ماتر” بأنه جانب مشروع في مجال الأمن الإلكتروني، يشير مارغاريتللي إلى أن ما تقوم به الإمارات غير مسبوق، فهي تخلق مجموعة كاملة من الأجهزة الجاهزة للاختراق والمراقبة، بحيث يصبح في المستقبل القريب كل جهاز إماراتي روبوتاً تابعاً للحكومة. الباحث الإيطالي، وعلى الرغم من عمله في كل أنواع القرصنة الإلكترونية، يعترف أنه ما زال مصدوماً بطموحات “دارك ماتر” بالسيطرة على أمة بأكملها، قائلاً “ما يريدون القيام به، هو جنون مطلق”.

مصادر

عدل