ثلاث سنوات على الثورة السورية: إننا أحياء وباقون وللحلم بقية

الأربعاء 19 مارس 2014


هذا المقال جزء من سلسلة خاصة من المقالات بقلم المدونة والناشطة مرسيل شحوارو، واصفة حقيقة الحياة في سوريا تحت نير الصدام المسلح بين القوات النظامية وكتائب الجيش الحر.

ما قبل الفكرة

ألحظ فورًا كم تأخرنا هذه السنة بالحديث عن الذكرى السنوية الثالثة، وكأن تأخير الحديث قد ينفي الواقع “المحبط” حقًا أننا سنصل إلى سنتنا الثالثة منذ اندلاع ثورتنا. الكثير الكثير قد تغيّر في السنوات الثلاث تلك حتى أنك لم تعد تعرف نفسك أو أصدقائك أو عائلتك أو بيتك، محظوظون أو ربما منحوسون من استطاعوا أن يبقوا كما هم خلال تلك الفترة “ذلك إن وجد سوريٌ فعلًا قد بقي على حاله” ألحظ كذلك هذه السنة غياب الجدال الذي يحب السوريون خوضه كل سنة حول التاريخ الدقيق لبدء الثورة، والسؤال الذي نتداوله بين المزاح والجد؟ أنت من أنصار ثورة الـ 15 من آذار أم الـ 18 من آذار؟

سأحاول أن أشرح باختصار جذور هذا النقاش الذي غاب السنة عن الساحة من الإرهاق ربما لا لأننا يأسنا من تحديد موعد دقيق لبداية الثورة، يقول أنصار أن الثورة ابتدأت في الخامس عشر من آذار مع المظاهرة الصغيرة التي انطلقت في الحريقة في دمشق واعتقل على اثرها عدد من المشاركين مما دفع في اليوم التالي إلى وقفة أمام وزارة الداخلية للمطالبة بالمعتقلين، بينما يصّر أنصار أن الثورة بدأت في الثامن عشر من آذار (وأنا من هؤلاء) أن الثورة ابتدأت في درعا في الثامن عشر من آذار وأن هذه النقطة هي النقطة التي بدأت فيها الثورة مرحلة اللاعودة وأن كل ما قبل ذلك هو تمهيدات نخبوية كان من الممكن خنقها لو لم تندلع شعبية ثائرة في درعا في ذلك اليوم.

هذه السنة يصل المعظم إلى حلّ توافقي لتمتد احتفالات السنوية من الخامس عشر وحتى الثامن عشر من آذار. ومن بين الجدالات الحادة على الصفحات الشخصية في مدينتي حول من بقي ومن قرر أن يستريح في تركيا. نقرر قبل عشرة أيام لا أكثر بدء التحضير لهذه الاحتفالية.

أثناء التحضير للفكرة

يقول صديقنا المتحمس دومًا والذي أحسده دومًا على إيمانه المتقد بالثورة: “يجب أن نفعل شيئًا على مستوى سوريا كلها”، وعلى الفور تلحظ كم أصبحت كلمة سوريا كلها صعبة جدًا، فهموم المحاصرين في ريف دمشق وحمص تختلف تمامًا عن هواجس الشمال المحرر كما تتباعد بشكل مؤلم جدًا عن الحياة الطبيعية التي تجري في مناطق أخرى. حتى هواجس الشمال المحرر تختلف جذريًا بين حلب الجريحة بالقصف المتواصل بالبراميل والذي أدى إلى نزوح معظم أهلها وإدلب المحتفلة بالحرية مجددًا وبين الرقة التي لازالت ترزح تحت ديكتاتورية جديدة يحكمها فصيل يدعو نفسه “الدولة الإسلامية في العراق والشام” ويصّر السوريون أن يطلقوا عليه من باب المقاومة اسم “داعش”.

وعلى الرغم من ذلك نبدأ بتشكيل مجموعة صغيرة على فيسبوك للتحضير للسنوية الثالثة للثورة، نادرًاً ما نلتقي جميعًا فيها في الوقت نفسه، فالكهرباء واختلاف طبيعة الاتصالات بين منطقة وأخرى تحكم العمل بسطوتها. نصّر على تجديد القيم الأولى للثورة، يقترح أحدهم ثلاثية “حق، إنسان، عدالة” ولكن هذه الفترة التي يعادي البعض الثورة فقط لأجل كلمة “حرية” نصّر على إعادتها إلى الشعارات ونتفق أخيرًا على اعتماد “حرية، عدالة ،كرامة” كاسم لهذه الاحتفالية مستوحى من الشعارات الأول التي التصقت بهذه الثورة.

وتلمع فكرة أن أسباب كثيرة أدت بعد ثلاث سنوات إلى “تسوية لغوية” في إنكار مصطلح ثورة، لأسباب تتعلق بالمال السياسي ومسايرة الإعلام الغربي في مصطلحاته ولأننا أبناء هذه الثورة قررنا أن نعيد التذكير أنها ليست “أزمة” أو “صراع” أو “حرب أهلية” أو نزاع بطرفين، هي ثورة حلم وتغيير وحق وإنسان وحرية وعدالة وكرامة، ولهذا كله أسمينا الاحتفال هذه السنة: ثورة (حرية، عدالة، وكرامة)

في اليوم الأول سيكون شعارنا الحرية، حيث سنرسم حائطًا في مدينة حلب بكلمة حرية بلغات متعددة علّنا نقوم للعالم، الذي يشاهد دمائنا، أنه مهما غلى الثمن أننا لازلنا نؤمن “كما عليهم أن يتمسكوا بإيمانهم” بالحرية، في اليوم الثاني الذي يتحدث عن العدالة سنعدّ نصباً تذكاريًا من خمسمئة صورة للشهداء الذين قضوا في مدينة حلب وسنأخذ الورود إلى المقابر التي امتلأت بالضحايا في اليوم الثالث سنعيد التركيز على الكرامة، وسنجمع الرسائل من حواجز الجيش الحر ومن النقاط الطبية ومن الناشطين والمدنيين في الشوارع، رسائل دعم ومناصرة لمناطق أخرى في سوريا كالرقة ودرعا وحمص والغوطة وفي اليوم الآخير سنعلق إشارات مرورية ثورية تذكر الناس أن “التكفير منعطف خطير” وأن “الثورة طريق واحد دون رجوع” وأن “الطريق مراقب بكاميرات الإعلام”، وجمل أخرى كثيرة.

مؤلمة كل التفاصيل التي حضّرناها، مؤلم البحث عن عبارات قديمة كانت حلم لمعظم السوريين قبل أن يغيرنا العنف جميعًا، مؤلمة صور الشهداء التي فيها خيرة شبابنا وكيف غدوا في كثافة الدم والموت أرقامًا رغم أن وجع أهاليهم لن ينتهي. منهكٌ جدًا أن نكتب الرسائل إلى أولئك السوريين الذين لم نعد نعرف إلا القليل عن تحديات حياتهم، مقلق انهم قد بدؤوا بتقسيمنا، فعلًا مؤلم أن تراجع الفرح الذي غاب مع السنة الأولى، وكثافة التحضير للسنوية الثانية وكم خسرنا وخسرنا حتى وصلنا للسنوية الثالثة.

فخورة بأننا رغم العنف هذا كله لم نجن بعد، أننا لازلنا متمسكون بقيم عالية جدًا، متعبون ربما من الجدالات والخيانات والأخطاء الفظيعة، لكنني فخورة بكل المسيرة على أخطائها. وكما كتبت في رسالة باللغة العامية أعددناها ندعو فيها الثوار الذين تعبوا وغادروا أن يعودوا إلى مدينتنا، “طريق الثورة كان مليان فخر وحرية عقد ما خسرنا فيه ناس وطاقة وأحلام. عم راسلك لذكرّك باللحظة اللي رفعنا فيها إيدينا بالمظاهرة وأقسمنا سوا أنو نكمل هالطريق ونجيب لهالبلد مستقبل أفضل. عم راسلك لخبرك أنو يمكن انت ما كنت حاسس قدي وجودك معنا مهم، لكن كل حدا فينا كان مسنود عالتاني وإي حدا عم يروح عم يترك ضهر البقية مكشوف.

لذكّرك أنو ما كتار اللي بيعرفوا هالبلد قدك وهالثورة متلك، وأنو لأهالي رفقاتنا الشهداء حق علينا. يمكن السنة الماضية بالذات كانت صدمة تذكرنا أنو حريتنا لتترسخ ثمنها غالي كتير. أنو قدرتنا على العيش بمناطق محررة عم ندفع ثمنها خيرة شباب البلد اللي استشهدوا مع أول رصاصة انطلقت عمظاهرة. لليوم أنو نحن رجعنا قادرين نتحرك بحلب، بدون مستبد جديد، بتضحيات أبو يونس وسلطان وسيف وأمين وكتير شباب غيرهم، وأنو لسى بدنا نناضل كتير ليرجعوا عبد الوهاب وأبو مريم ولؤي أبو الجود ونور طبية وكتار كتار غيرهم، وأنو لسى في طريق طويل بدنا نمشيه سوا ليبطّل في ناس بسوريا بتستشهد متل توتي تحت التعذيب”

نعم لازال الطريق طويلاً، لكننا كما كتبنا على حيطان مدينتي يومًا جملة لمحمود درويش تقول “إننا أحياء وباقون وللحلم بقية”

مرسيل شحوارو مدونة وناشطة من حلب، سوريا وتغرد على Marcellita@

مصادر

عدل