خبراء دوليون يبحثون عن سبل الحفاظ على التراث القديم لسوريا

الأربعاء 26 أبريل 2017


بعد ست سنوات من الحرب، أصبح من الصعب تصور الدمار الشامل الذي لحق بسوريا، خاصة إذا عمها السلام فيما بعد. تبدو عملية إعادة البناء بعد الدمار والمذابح مهمة صعبة لا يستطيع أن يتخيلها أحد، ولكن يعمل علماء الآثار وغيرهم في جميع أنحاء العالم خلف الستار، لإنقاذ بقايا التراث السوري القديم.

من بين العديد من القضايا التي تواجه عملية الحفاظ على التراث في سوريا، التجارة الغير شرعية للآثار، حيث غض الطرف عن هذه التجارة العديد من الفصائل المتورطة في الحرب الأهلية السورية، أو حتى شاركت هذه الفصائل فيها، ولا سيما داعش ونظام الأسد. وهذا يشير إلى أنه لن يكون هناك حل سهل للحفاظ على الآثار والتراث أثناء الأزمة السورية. ولكن بعيدًا عن الوضع السوري، تحاول إحدى الجامعات تسليط الضوء على إيجاد بعض الحلول الممكنة.

يستضيف متحف “إيان بوتر” للفنون في ملبورن، حاليًا، معرضًا يركز على هذا التحدي (سوريا: التاريخ القديم – الصراع الحديث). يستعرض ثلاثة عقود من العمل الميداني الذي أجرته جامعة “ملبورن” بأستراليا في سياق الصراع الحالي والتدمير في سوريا”.

إلى جانب العديد من القطع الأثرية، يتضمن المعرض مجموعة من الأدوات، وأجهزة لحفظ السجلات. بعض هذه الأدوات تحمل أهمية تاريخية بقدر أهمية الآثار.

تحدث البروفيسور “أندرو جاميسون” – المحاضر الأقدم في علم الآثار في الشرق الأدنى في كلية الدراسات التاريخية والفلسفية – خلال محاضرة عامة، تحمل نفس العنوان، عن العقود التي قضاها أثناء عمله بوادي نهر الفرات في مواقع عديدة مثل القيطار، وتل أحمر، وجبل خالد، وتل كوملوغ.

قبل الحرب، كان جاميسون جزءاً من محاولات الحفاظ على المجموعات الأثرية الضخمة الموجودة بالفعل في سوريا. وفي عام 2010، تم تطوير تعاون يعرف باسم “مشروع البحث الأثري والتاريخي السوري الأسترالي”؛ لإنشاء مستودع “بقلعة نجم” في سوريا، كما شدد على الأهمية الحيوية لإنتاج المواد باللغة العربية.

كما قدم لمحة عامة عن عمل هيئة “شيرن” الدولية التي تأسست في عام 2014، تهدف إلى الحفاظ على المواقع، والآثار، والمتاحف السورية وحمايتها. وتحاول الهيئة توثيق وتقييم الضرر الواقع علي الآثار والمُبلغ عنه، وكان قد عبر بعض الباحثين عن قلقهم بشأن قيامهم بالقليل من الأعمال، بالرغم من وجود 140 تصريح للحفريات الأجنبية قبل اندلاع الحرب.

وأكد البروفيسور جاميسون أنه من الضروري أن يظل أصحاب التصاريح منخرطين في أعمالهم، فالمهام – على سبيل المثال – التي تساعد في حراسة هذه المواقع الأثرية، والحفاظ عليها من الدمار بقدر الإمكان هي “خط الدفاع الأخير للحفاظ على تلك المواقع الأثرية”. وقام كلًا من “سينثيا دونينغ ثيرشتاين”، و”محمد فخرو”، و”محمد الخالد” بعرض جهود هيئة “شيرن” بسوريا في برنامج “تيدكس برن” TEDxBern عام 2016، بإيضاح سبب أهمية هذا العمل للحفاظ على كرامة السوريين، وهويتهم الثقافية.

Preparing for a Time After War على يوتيوب

التحديات والحلول والنزاعات

إن التحديات هائلة والتدمير المتعمد للنصب الأثرية من قبل داعش، والنهب واسع النطاق بطرق غير مشروعة من قبل الجماعات المختلفة، و كذلك الأضرار الجانبية الناجمة عن ضربات المدفعية والقصف الجوي، وما شابه ذلك من قبل نظام الأسد أو المتمردين؛ أو حتى الأمور البسيطة التي تحدث في سوريا، لا يمكن الاستخفاف من قدرها وتجنبها.

كما أن بعض الحلول المقترحة مثيرة للجدل، حيث أن علم الآثار الرقمي له دور رئيسي في محاولة الحفاظ على تلك التراث، على سبيل المثال، أثار بناء نسخة طبق الأصل من “قوس النصر” – التي دمرته داعش في لندن عام 2016 – بعض المخاوف، ووفقًا لما قاله الأستاذ جاميسون، بأن هناك مخاوف بشأن أن تصبح الحفريات جزءًا من “ديزني لاند الرقمية”، إذا تم بناء النسخ المتماثلة على المواقع الأصلية، ويتناول الفيديو التالي من صحيفة الجارديان بعض هذه القضايا. ويقول موظفو التصميم المتماثل في معهد الآثار الرقمية:

«النص الأصلي:We should not allow hostile groups of any kind to define the apparent cultural background of a nation, a country, of any kind of site. […] It's not really a matter of whether or not we should copy. It's really a question of how do we copy.»

«ترجمة:ينبغي ألا نسمح للجماعات المعادية، من أي نوع، بتحديد الخلفية الثقافية الظاهرة لأمة أو أي بلد أيان كانت. […] فالمسألة ليست حقاً إن كان يجب علينا أن ننسخ الآثار أم لا، و لكن السؤال في الحقيقة عن كيف يمكن أن ننسخها، ونجعلها صورة طبق الأصل من نسختها الأصلية.»

Palmyra's Arch of Triumph replica erected in central London على يوتيوب

كان النشر بعد أول محاولة استيلاء من أصل اثنين لمدينة “تدمر” القديمة من قبل داعش، حيث اكتشفت “إيما كونليف” من جامعة أكسفورد بعض القضايا على موقع تحليل الأخبار “ The Conversation”:

«النص الأصلي:But many argue that 3D printing fails to capture the authenticity of the original structures, amounting to little more than the Disneyfication of heritage. They also point out that the fighting is still ongoing: 370,000 Syrians are dead, millions are displaced, and perhaps 50%-70% of the nearby town has been destroyed. Given the pressing humanitarian needs, stabilisation alone should be the priority for now.»

«ترجمة:ولكن يختلف الكثير حول أن الطباعة ثلاثية الأبعاد تفشل في تجسيد أصالة الهياكل الأصلية، والتي تعادل ما يزيد بقليل على تحويلها مزارات سياحية. ويشيرون أيضاً إلى أن القتال لا يزال جاريًا: فقد قتل 370 ألف سوري، وشُرد الملايين، وربما تم تدمير 50٪ – 70٪ من المدن القريبة، ونظراً للاحتياجات الإنسانية الملحة، ينبغي أن تكون الأولوية للاستقرار فقط في الوقت الحاضر.»

ومن بين الموضوعات التي تناولها البروفيسور جاميسون كان دور ومسؤوليات علماء الآثار، والذي اقترح ميثاق للأخلاقيات كطريق للتقدم إلى الأمام، وهذا أمر شديد الأهمية، فإنه يُعرض علماء الآثار السوريين لمخاطر عالية، فمقتل خالد الأسعد - عالم الآثار السوري الشهير – على يد داعش في عام 2015، أثار موجة من الحزن العالمي، حيث أُعدم “الأسعد” على ما يبدو لرفضه الكشف عن مكان وجود القطع الأثرية التي نُقلت حفاظًا عليها.

ومن ثَم، فإنه من الصعب عدم الاتفاق على تحليل الموقع الإخباري ( conclusion)، التي عثرت عليه “إيما كونليف” حول ما نشره عن “تدمر”، فما نُشر ينطبق كذلك على بقية سوريا:

«النص الأصلي:One thing is clear: while Palmyra may hold great significance to the world, the final decision should belong to those who have lived alongside it, cared for it, managed it, fought for it, and protected it for generations: the Syrian people.»

«ترجمة:والحقيقة الوحيدة الواضحة، تكمن في أهمية مدينة “تدمر” الكبيرة للعالم، فالقرار النهائي ينبغي أن يعود لأولئك الذين عاشوا بجانبها، وعملوا على صيانتها، وإدارتها، وقاتلوا من أجلها، وحافظوا عليها للأجيال القادمة، هؤلاء هم الشعب السوري.»

مصادر

عدل