دراسة تحليلية لواقع أبرز الكتائب الجهادية في سوريا

الأثنين 5 يناير 2015


مع ازدياد الرايات الجهادية المرفوعة في سوريا للقتال تحت اسم المعارضة السورية، يزداد معدل الشهداء من الشعب السوري كل يوم، بالإضافة لاختراع طرق جديدة لقتلهم يوميًا. والمؤسف أن المقاتلين الأجانب في سوريا أصبحوا هم من يتحكم بحياة الشعب السوري في المناطق التي تحكمها التنظيمات الجهادية. من أبرز التنظيمات الجهادية التي تقاتل على الأراضي السورية هي جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) اللذان يتحدث البعض عن اختلافهما، فاخترنا أن نبحث في أصول نشوئهما وتعاملهما مع القضية السورية.

كانت بداية ظهور ما يسمى الآن بالدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في دولة العراق بتاريخ 15 أكتوبر / تشرين الأول عام 2006، من خلال اتحاد فصائل مسلحة دينية تشكلت بحجة مقاتلة الوجود الأمريكي بالعراق (واقتصر الاسم بداية على الدولة الإسلامية في العراق)، واصطفّت الفصائل يومئذ خلف أبي عمر البغدادي زعيمًا للتنظيم الوليد، وقامت الدولة الناشئة بتنفيذ العديد من العمليات التي وصفت بالنوعية. بعد مقتل أبي عمر في أبريل / نيسان 2010 تم اختيار أبي بكر البغدادي زعيمًا جديدًا. واختيار هذه الألقاب (البغدادية) ليست سوى طريقة لإيضاح ارتباط التنظيم بالشعب العراقي، مع العلم أن البغدادي الجديد هو إبراهيم عواد إبراهيم، (وذلك حسب وثائق الداخلية العراقية). والواضح أن زمن البغدادي الجديد أنشط من عهد القديم لما استطاع أن يقوم به من زيادة التمويل وإخراج معتقلين وتوسيع رقعة السيطرة.

أمّا تنظيم جبهة النصرة فهو حديث المنشأ تأسس مع تصاعد العنف في الثورة السورية. وبعد أن حمل كثير من الشباب السوري السلاح في أواخر عام 2011، وبعد انتشار مبدأ الجهاد دفاعًا عن العرض والأرض لما يقوم به النظام السوري من انتهاكات فتم الإعلان عن إنشاء تنظيم جبهة النصرة (والاسم الكامل كان جبهة النصرة لأهل الشام) بزعامة أبو محمد الجولاني، يسوّق البعض أن تنظيم جبهة النصرة يتكون من سوريين فقط، وانما الحقيقة هي غير ذلك فقد أشارت تقارير الخارجية الأمريكية عن ارتباط وثيق بين تنظيم القاعدة وجبهة النصرة ودخول قيادات قاعدية في مراكز قيادية بالنصرة. كما أنه حصل تنسيق بين داعش وقيادات النصرة قبل تشكيلها. ويؤكد ذلك التسجيل الصوتي الذي نسب لأبو بكر البغدادي في أبريل / نيسان 2012، أعلن فيه عن توحيد جبهة النصرة ودولة العراق الإسلامية تحت راية واحدة هي “الدولة الإسلامية في العراق والشام”. إلا أن الرد كان سريعًا من الجولاني (قائد النصرة) برفضه لهذا الاندماج بل وألحقه بمبايعة الأخير لتنظيم القاعدة بزعامة أيمن الظواهري. يظهر مما سبق رغبة أبو بكر البغدادي (زعيم داعش) بوضع تنظيم النصرة تحت جناحه ليستفيد من العدد والعتاد الذي يتمتع به، بينما اختارت جبهة النصرة أن تكون ذراع تنظيم القاعدة في سوريا بدلًا من الانضمام لداعش.

بعد أن تم انسحاب قوات النظام من مدينة الرقة (شمال شرق سوريا) في أغسطس / آب 2013 حدث فيها فجوة تنظيمية لفترة قصيرة من الزمن طلب خلالها نشطاء المدينة من التنظيمات السياسية المعارضة الدخول للمدينة لتنظيم الحياة المدنية فيها بطابع مدني للحيلولة دون سيطرة التنظيمات الجهادية عليها، لكن تم الرفض من الكيانات السياسية بحجة أنهم لا يأمنون أنفسهم بالداخل وغيرها من الحجج الواهية مما أتاح الفرصة لتنظيم داعش بالدخول للمدينة، وكانت البداية عبر عدد قليل من المقاتلين الذين بدأوا يتسربون عبر الحدود السورية التركية والحدود العراقية السورية ليتقربوا من أهل المدينة من خلال الجلسات الدينية وتنظيم الحياة في الرقة مثل شرطة المرور والمحاكم الشرعية التي لم تكن أحكامها عنيفة بالبداية وانما اقتصرت على الترشيد والتأديب، ولكن مع مرور الوقت بدأ التنظيم يطبق قبضته الحديدية على المدينة وما حولها ليتحكم بأبسط تفاصيل الحياة للسوريين فيها من لباس والتزام أوقات الصلاة وعدم السماح للنساء بالمشي بمفردهم بالشوارع وفصل الأطفال الذكور عن الإناث في المدارس، ليتوجه لاحقًا لاستثمار ابار النفط في المدينة وتجنيد الأطفال واجبار النساء السوريات على الزواج من المقاتلين الأجانب الذين باتوا يشكلون أكثر من نصف تعداد التنظيم ويديرون المراكز القيادية فيه.

أما جبهة النصرة فقد كانت أذكى من داعش بحيث تقربت من السوريين من خلال العمل يدا بيد مع الجيش الحر وباقي الفصائل وعدم التدخل بحياة الناس الشخصية مما أكسبها قاعدة شعبية كبيرة لدى السوريين مع العلم أن أغلب القياديين فيها من جنسيات غير سورية ولكن العناصر المقاتلين أغلبهم سوريين.

يعتمد تنظيم داعش في محاكماته بشكل رئيسي على تفسير ابن تيمية للمراجع الإسلامية ويأخذون منه ما يتماشى مع خط عملهم الذي يتصف بالعنف كما يترك لشيوخه مساحة كبيرة للإفتاء والتكفير والتسرع بعمليات الإعدام وقطع اليد، أما من الناحية العسكرية فتنظيم داعش يقوم على وجوب بيعة كل من يحمل السلاح في المناطق التي يتواجدون فيها، ومن لم يبايع يُقاتَل حتى يبايع. أما جبهة النصرة فقد كانت أسهل نوعًا ما بالمحاكمات وأكثر تريثًا ومع ذلك لم تخلوا أحكامها من قطع الرؤوس والجلد وقطع اليد. والناحية العسكرية فالنصرة تتعاون مع باقي الفصائل المقاتلة في مناطقها. يرى مراقبون للجماعات الجهادية أن احكام النصرة وداعش متشابهة إلى حد كبير لكن الفرق هو بالإعلام فداعش تعمل على بث المشاهد الوحشية لعمليات الإعدام وقطع الرؤوس لتنشر الرعب في قلب المجتمع السوري والعالمي لكي يهابوها، أما النصرة فهي تتغاضى عن ذلك في سبيل كسب التأييد الشعبي عن طريق الترغيب وليس الترهيب.

اعتمدت داعش سياسة السيطرة على الأراضي الخارجة عن حكم النظام دون معارك مباشرة مع النظام بحيث تخوض معاركها مع الكتائب المعارضة لتسيطر على ما حررته من نظام الأسد، لكن اختلفت هذه الحكاية في منتصف 2014 ليقول مراقبون أن شهر العسل انتهى بين النظام وداعش بعد سيطرتها على القطع العسكرية المتبقية للنظام في منطقة الجزيرة السورية، أما جبهة النصرة فخاضت معارك شرسة مع الجيش السوري واستطاعت السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي السورية بالتحالف مع الجيش الحر وكتائب معارضة أخرى.

كما كل التنظيمات المقاتلة حاليًا في الأراضي السورية، يملك التنظيمين مشروع لهم في المستقبل، فداعش حذفت حدود دولتها، التي ارتسمت بداية في سوريا والعراق، لتجعل اسمها الدولة الإسلامية التي تمتد من إيران للخليج للبنان، موضحة أن إقامة هذه الدولة ستكون بحد السيف على غير المسلمين الموجودين فيها، وبالقضاء على كل التنظيمات العسكرية فيها ليبقى فقط (جند الخلافة). أما النصرة فتداركت هذا الموضوع وصرحت أن مشروعها سوري داخلي ويحدده مجلس شورى يقوم به كافة القوى المعارضة المقاتلة على الأرض.

يبقى في النهاية أن نشير أن كلا التنظيمين رضعا من ثدي تنظيم القاعدة الجهادي المتطرف وكلاهما يتبع لنفس التعاليم لكن بدرجات مختلفة من الالتزام بها، وهذا ما سبب اقتتال بين النصرة وداعش وصل لوصف بعضهم بالكفار، ونشوب معارك بينهم بسبب خروج أبي بكر البغدادي عن أوامر أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، الذي انحاز للنصرة مدركًا نقاط القوة التي تتمتع بها بسبب التأييد الشعبي السوري لها وخاصة بعد توسع فكرة أن تنظيم داعش متواطئ مع النظام السوري ولا يواجهه في حرب مباشرة.

نجد بالنهاية أن كلا التنظيمين يضع مرجعيته لأوامر الفتاوى الجهادية والاختلاف يكمن بالتطبيق الحالي للمشروع أو تركه للمرحلة القادمة بهدف الاستفادة من قدرات الفئات الأخرى المقاتلة وكسب المزيد من القاعدة الشعبية.

مصادر

عدل