رحلة الهروب إلى أوروبا: كيف تسير وما كلفتها؟
الجمعة 9 أكتوبر 2015
نشر الموضوع لأول مرة على موقع رصيف22، وتعيد الأصوات العالمية نشره باتفاق مع الموقع
«النص الأصلي:عبدالكريم عوير»
“إنها الساعة الرابعة قبل الفجر، يتصل بنا محمود المهرب ليخبرنا أنه علينا التحرك خلال دقائق. نزلت من غرفتي مسرعًا مع شباب وفتيات عرب، كلهم ينوون عبور البحر نحو اليونان. 4 سيارات تنتظر على مدخل الفندق، امتلأت بـ16 شابًا وفتاة عددتهم على عجل، إضافة إلى 4 أطفال توزعوا على السيارات الأربع. ولم يسمح لي بمرافقة السيارات إلى الشاطئ”. هذا ما يرويه عباس لرصيف22 عن رحلة أقاربه إلى أوروبا.
انطلقت السيارات الأربع من أمام الفندق، كانت كلها سيارات أجرة عادية. لا يسمح للمهاجر أن يحمل أكثر من حقيبة واحدة على ظهره، وكلما كان وزنها أخف كان ذلك أفضل. هذه أوامر المهرب “المطاعة دائمًا” في مثل هذه الظروف.
في التاسعة صباحًا أتاني اتصال مفاجئ: “المركب بكل حمولته عاد إلى شواطئ بودروم، لا تقلق، كل شيء على ما يرام. المركب غرق في وسط البحر، وخفر السواحل التركي أعاد الجميع إلى تركيا. لكن اذهب إلى مخفر الشرطة إذا أردت أن تطمئن عليهم”. هذا ما قاله المهرب، الذي بادر إلى إغلاق الهاتف فورًا حتى لا يزعجه أهالي الضحايا. ذهبت إلى هناك وكانت دهشتي من سلاسة التعامل التركي مع المهاجرين، وكأنهم يريدون منهم أن يرحلوا مرة أخرى. إجراء روتيني عادي، ومخالفة 350 ليرة على الشخص تدفع في غضون أسبوعين، “غرامة عبور الحدود بصورة غير شرعية”. لكن الضابط المناوب هناك أخبرني بصوت منخفض حين هممت بدفع الغرامة أن لا داعي لذلك إن كانوا سيعاودون المحاولة قبل أن تنتهي المهلة.
تواصلنا مع المهرّب كأننا نريد العبور إلى اليونان، حالنا في ذلك حال العديد من الشباب العربي الذي يتبع الخطوات نفسها، حدد لنا موعدًا ليلتقينا بعد أن أعطانا التطمينات اللازمة أن مراكبه هي الأفضل على الإطلاق. التقيناه في فندق صغير في مدينة بودروم كان هو قد حدده لنا، اسم الفندق لا يمكن إيجاده على مواقع السياحة، سألنا المسؤولة في الاستقبال عن غرفة لننام فيها، فأخبرتنا أن جميع الغرف محجوزة، حتى جاء المهرب وطلب منها أن “تدبّر” لنا غرفة لأننا “معه” فأعطتنا مفتاح الغرفة 116 لنبيت ليلتنا في هذا الفندق الصغير، المكوّن من 20 غرفة. شعرنا لوهلة أن الغرف كلها محجوزة لعمليات التهريب.
قبل المبيت جلست مع محمود المهرب أسأله عن التكاليف والخطوات، وما يجب على المهاجر فعله، على اعتبار أنني أريد الهروب إلى السويد. فأخبرني بضع قصص بطولية له في الوصول إلى اليونان، وأن كلفة الرحلة 2500 يورو (2800 دولار) على “الراس”، يقصد الشخص، والدفع يتم عن طريق طرف ثالث ضامن. كان في هذه الحالة صديق عبر البحر قبل فترة مع المهرب نفسه يعرفه كلانا.
“القارب الواحد يتسع لـ10، لكننا خوفاً من الله لا نحمل فيه أكثر من 8″، هذا ما قاله محمود، وهو يصيح بأعلى صوته، “هذه أرواح نحاسب عليها. لم يغرق لي مركب واحد من قبل، كل عملياتي كانت ناجحة، وقد هربت أكثر من 3000 شخص إلى جزيرة كيوس. عندما تصلون سلموا أنفسكم للشرطة هناك وهي ستمنحكم بعض الأوراق، التي تسمح لكم بالبقاء لبعض الوقت، قبل أن تدبروا مهرباً آخر يأخذكم إلى حيث تريدون في أوروبا”.
أخبرته أنني أنتظر شخصاً آخر سيلتحق بنا في الليلة التالية، ولا يمكننا الرحيل من دونه، سنرحل مع المجموعة التالية. في الصباح كان قارب آخر من قوارب محمود قد غرق قبل أن يبدأ رحلته أصلاً، وكانت مجموعة من الشباب الذين صعدوا إلى القارب قبل فجر ذلك الصباح، قد عادوا إلى الفندق ليرووا لنا حكاية أخرى. “القارب يتسع لـ10، وكان عددنا 20 بيننا أطفال”، تقول سمية وهي فتاة عراقية من الموصل. وأضافت: “قبطان السفينة تركي، سيارات الأجرة أنزلتنا في مكان بعيد على رأس جبل، ونزلنا إلى الساحل مشيًا، القارب كان قديمًا جدًا وفيه بعض الفتحات، تسربت المياه إلى داخله بعد صعودنا، ومع ذلك سرنا فيه نحو ربع ساعة قبل أن تبدأ المياه بالتدفق أكثر وأكثر، فقررنا العودة”.
في صباح اليوم التالي كانت المجموعة كاملة قد تم تأمينها على مركبين مختلفين، ووصلت اليونان بعد ساعة. ألقاهم القبطان على شاطئ جزيرة كاسيوس، وعاد أدراجه إلى تركيا من دون مشاكل تذكر. اتصلنا بشاب صومالي اسمه عمر، كان في قارب آخر وصل جزيرة كاسيموس، أخبرنا أنهم أقاموا 3 أيام في أوضاع إنسانية سيئة جداً، قبل أن تقوم السلطات بإعطائهم وثائق مؤقتة مكنتهم من الذهاب إلى أثينا.
يروي عمر أنه صعد مع عدد من الشباب من مدينة بودروم التركية في قارب سريع، ودفع لقاء ذلك 2500 يورو (2800 دولار)، لمهرب سوري أوصله إلى القارب الذي كان يقوده قبطان تركي. يقول”تأخر القارب كثيراً قبل أن يغادر الشواطئ التركية، لأن التدابير الأمنية تزايدت الآن، اضطررنا إلى المبيت في العراء ليلة كاملة” يقول. ويضيف: “بعد أن وصلنا إلى الشواطئ اليونانية، ألقانا القبطان بسرعة على الشاطئ وأمرنا أن لا نتحرك قبل أن يغادر هو المكان بنصف ساعة تقريبًا. بعد أن غادر بقليل بدأ الجميع بالسير في الجزيرة حتى وصلنا إلى أول نقطة أمنية، أخذتنا الشرطة بعد ذلك إلى مخيم في الجزيرة لتسجيل أسمائنا، وإعطائنا “الخارطية”، وهي وثيقة طرد من اليونان في غضون 3 أشهر”.
بعد الحصول على “الخارطية” يستطيع المسافرون الانتقال إلى أثينا بالسفينة، بتكلفة تصل إلى 15 يورو، ومنها بالباص إلى حدود مقدونيا، حيث يتركهم الباص قرب الحدود البرية، التي يعبرها المهاجرون بصورة غير شرعية. بعد عبور الحدود سيرًا على الأقدام، يستقلون باصًا أو أي وسيلة نقل أخرى. استقل عمر الباص إلى حدود مقدونيا، ومنها إلى حدود صربيا، “ننزل قبل الحدود لنعبرها سيرًا أو بالباصات في بعض الأحيان”، يوضح عمر.
المشكلة الأساسية كانت في هنغاريا، التي أقفلت حدودها بشكل كلي أمام المهاجرين الآن، إلا أن عمر كان من المهاجرين الأكثر حظًا، إذ استطاع أن يتجاوز الحدود قبل المنع، واستقل الباص باتجاه النمسا ومنها إلى ألمانيا. يقول إنه نام في الغابة 3 ليال، بعد أن ركب البحر إلى كاسيموس، قبل أن يستطيع الوصول إلى أثينا، المحطة الأهم قبل الانطلاق إلى أوروبا”.
وعن تكلفة الرحلة كاملة حتى ألمانيا، يخبرنا عمر أنه دفع 8000 يورو (9000 دولار أميركي)، مكنته من العبور من اسطنبول إلى مدينة أخن في ألمانيا التي استضافتهم بشكل لائق، بحسب ما يقول.
مصادر
عدل- نص مؤلف ومترجم برخصة المشاع الإبداعي نَسب المُصنَّف 3.0 غير موطَّنة (CC BY 3.0). «رحلة الهروب إلى أوروبا: كيف تسير وما كلفتها؟». الأصوات العالمية. 9 أكتوبر - تشرين الأول 2015.
شارك الخبر:
|