رحلة شابين من الأرجنتين عبر أمريكا اللاتينية بحثًا عن “التعليم الآخر”

الثالث 9 أغسطس 2016


عندما نتحدث عن التعليم وجودته، فإن الكثير منا لا يهتم بتحليل منظومة التعليم التقليدي، التي رغم التطورات الملحوظة والمستمرة بها إلا أنها ما زالت تُكَرِس الصور النمطية لثقافةٍ سائدة لا تمت بصلة لواقع الحياة في مجتمعات أمريكا اللاتينية. سعت الحركات الاجتماعية في العقود الأخيرة للبحث عن بدائل لتعزيز التكامل بين التعليم وبين حياة هذه المجتمعات، مما أدى إلى ظهور نظام تعليمي معروف بالتعليم الشعبي، وهو مفهوم مبنيّ بالأساس على مفاهيم الطبقات والنضال السياسي و التحول الاجتماعي.

في نفس هذا السياق، مر عام من الزمن على بداية الرحلة التي بدأها شابين أرجنتينيين مهتمين بدراسة وتدعيم هذه الحركات المجتمعية، وهي رحلة عبر أمريكا اللاتينية للبحث عن تعليم يجتهد ويحاول خلق هذا العالم الآخر المنشود، ضمن مشروع طموح اسموه “حركة التعليم”.

هذا المشروع عبارة عن رحلة بالمعنى الحرفي للكلمة. من خلال مساعدة أفراد عائلاتهم وأصدقائهم وبعض الشركاء الأخرين، جهز القائمون على المشروع شاحنتهم وغادروا بوينس ايريس في الحادي عشر من أغسطس/آب 2015 في رحلة واسعة عبر أمريكا اللاتينية لإلقاء نظرة عن كثب على المشروعات التعليمية الخاصة بهذه الحركات المجتمعية الموجودة بالمناطق المتنوعة بالمنطقة. يهدف القائمون على المشروع من خلال هذه الرحلة إلى دراسة هذه المشروعات والتعلم منها والكشف عنها في فيلم وثائقي سيقومون بتحريره بعد عودتهم. وسيكون الفيلم متاحًا للتوزيع المجاني.

أبطال هذه القصة الحقيقية هما مالينا ومارتن، شابين مهتمين بنشر أفكار التعليم الشعبي في أحياء مدينتهم، ومعهما “جواجوا ترانشومانتي” أو “حافلة الرحالة” وهي شاحنة رينو جواجوا تعمل بالديزل تم تحويلها لتصبح منزلًا متنقلًا مجهزًا بالمرافق الأساسية ليكون سكنًا مريحًا وبسيطًا. كما يصفها مارتن ومالينا على الصفحة الرئيسية لموقعهم:

«النص الأصلي:En algunos países de Nuestramérica, “guagua” quiere decir “ómnibus”, pero en otros significa “niñ@”. “Transhumante”, por nómade.»

«ترجمة:في بعض دول أمريكا اللاتينية، تعني كلمة جواجوا guagua حافلة، بينما في بعضها الآخر تعني طفل. وتعني كلمة ترانشومانتي Transhumante للرحالة»

La Educación en Movimiento: presentación del proyecto على يوتيوب

يقوم هذان المسافران بتحميل كل المعلومات والمقابلات واللقطات التي يجمعونها وينتجونها خلال رحلتهم على موقعهم الالكتروني الذي تحول إلى مدونة سمعية وبصرية واسعة لتسجيل التجارب التي يمرون بها والتي ستكون جزء من الفيلم الوثائقي الذي ينوون إنتاجه. لديهم أيضًا صفحة على فيسبوك يشاركون عليها القصص والصور ومغامراتهم اليومية مع أكثر من 2000 متابع.

جاء هذا البحث عن تعليم مختلف كرد فعل نتيجة لمشكلة شائعة تتعلق بعلاقة المدارس التقليدية بالمجتمعات التي تتواجد فيها. في إحدى المقابلات التي أجروها خلال رحلتهم، تحدث ماريو رودريجيز – التربوي المشهور والذى شارك في تأسيس شبكة واينا تامبو المتنوعة – عن تجربته في تحقيق متكامل عن مدى عدم اهتمام المدارس بالأمور الأساسية للمجتمعات التي تحيط بها. حيث قال عن هذا الموضوع:

«النص الأصلي:Una de las cosas que más me impresionaba en el caso de las niñas […] es que la escuela, en determinado momento, era un perjuicio para sus vidas porque, si las niñas llegaban al bachillerato, entraban más tarde en los circuitos de intercambio mercantil a través de los mercados de ferias locales, y que gran parte de su posibilidad de vivir y de ampliar su experiencia, de generar riqueza, pasaba por su incorporación temprana a estos mercados y sistemas que la escuela era incapaz de mirar, ¿no? Y, entonces, al no mirar, no era capaz de formar a las niñas, a las jóvenes, para ese escenario, que era parte de su vida cotidiana.»

«ترجمة:إحدى الأشياء التي أثارت انتباهي بشكل كبير فيما يتعلق بالفتيات بشكل خاص، هو كيف يمكن للمدرسة أن يكون لها هذا التأثير على حياتهن. إن ذهاب الفتيات للمدرسة الثانوية يؤخر من دخولهن للعمل في الأسواق والمعارض المحلية، ولطالما كان اندماج هؤلاء الفتيات في الأسواق بشكل مبكر مؤثرًا على قابليتهن للعيش وموسعًا لخبراتهن ومساعدًا لهن على كسب المال، هذه الأسواق والأنظمة التي لا تعيرها المدارس اهتمامًا، أليس كذلك؟ وبالتالي، نتيجة لعدم اهتمام المدارس بهذا الأمر فإنها لم تستطع تعليم هؤلاء الفتيات والشباب وتجهيزهم لهذا الجزء من حياتهم اليومية.»

عملت العديد من الحركات المجتمعية في “أمريكا الخاصة بنا” كما يدعوها مالينا ومارتن وما زالت تعمل مع المجتمعات والمنظمات غير الحكومية والنقابات التجارية والكيانات الحكومية ومجموعات أخرى مهتمة بخلق ونشر المشروعات التعليمية التي توفر تعليمًا (1) خاليًا من الصور النمطية التعليمية والاجتماعية والمتعلقة بالجنس المنتشرة في الغرب، (2) يتلاقى مع واقع المجتمعات المحلية، (3) ممكنًا من الناحية المالية والاقتصادية والجغرافية طبقًا لظروف المعيشة بهذه المجتمعات، (4) يُمَكِّن هذه المجتمعات ويساعدها على النمو، (5) يحمي البيئة، (6) ويحافظ على الثقافة. هذه هي المشروعات التي تبحث عنها حملة “حركة التعليم” وتدرسها وتنشرها من خلال رحلتها التوثيقية، والتي تم وصف بعضها بالتفصيل فيما يلي.

يونيكام سوري، أول جامعة ريفية بالأرجنتين

يعمل أعضاء الحركات المحلية بمقاطعة سانتياجو ديل استيرو، إحدى مقاطعات شمال الأرجنتين، وأحيائها الفقيرة بشكل جماعي على إنشاء الجامعة الريفية الأولى بالدولة. تُعَد عملية إنشاء الجامعة نفسها تجربة تعليمية ثرية للمشاركين بها، حيث يتبادلون الأدوار في أداء المهام الجماعية، كإنشاء الغرف والفصول الدراسية ودورات المياه، وإعداد الطعام للعمال، وإذاعة البرنامج الإذاعي الخاص بهم.

UNICAM SURI MOCASE VC على يوتيوب

تم إنتاج العديد من اللقطات والمقابلات عن المقاطعة لكثرة المشروعات التي تجري بها حاليًا، حيث تنشط أيضًا بالمقاطعة حركة موكاسي فيا كامبيسينا – الحركة الريفية بمنطقة سانتياجو ديل ايستيرو فيا كامبيسينا – وهي عبارة عن منظمة تعمل من أجل حقوق مواطني سانتياغو في الأرض والصحة والتعليم.

قانون التعليم الجديد ببوليفيا: من أجل تعليمٍ بديل

هل من الممكن أن تكون هناك جهود مشتركة بين التعليم والدولة والحركات الاجتماعية؟ هذا ما حققه الإعلان عن قانون “أفيلينو سيناني – إليزالدو بيريز” الجديد للتعليم رقم 070 عام 2010، والذي حرر النظام التعليمي وأعاد الاعتبار للطبيعة الاجتماعية والثقافية للدولة وسكانها الأصليين وأدخل اللغات الأصلية للسكان كلغة التعليم الأساسية بالإضافة إلى دراسة الإسبانية وإحدى اللغات الأجنبية الأخرى.

BOLIVIA: Educación, Estado y Movimientos Sociales على يوتيوب

في بيرو، التعليم الشعبي في أفضل حال

يستمر مالينا ومارتن في رحلتهم وصولًا إلى مدينة ليما، حيث قاما بالعدد من الأشياء، كان منها المقابلة التي أجروها مع نيليدا كاسبيداس، السكرتير التنفيذي لحركة CEAAL، أو مجلس التعليم الشعبي لمنطقة الكاريبي وأمريكا اللاتينية. وهي حركة تعليمية شعبية، تعمل كشبكة للمساعدة في عمليات التحول التعليمي والاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي في منطقة الكاريبي وأمريكا اللاتينية، وذلك على المستوى المحلي والدولي والإقليمي والعالمي. تتبنى الحركة مفاهيم السيادة الدولية وضرورة التكامل بين دول المنطقة، وتؤيد مفاهيم العدالة الاجتماعية والديمقراطية من منظور حقوق الإنسان، والمساواة بين الجنسين، والوعي الثقافي، وحركات التحرر الأخلاقي والتربوي والسياسي. يعرض الفيديو التالي جزءً من المقابلة التي تتحدث بها نيليدا عن مدى صلاحية التعليم الشعبي ووجهات النظر البديلة التي يطرحونها.

Perú: Entrevista a Nelida Cespedes - CEAAL- على يوتيوب

شاركنا في هذا المقال ثلاثًا من التجارب التي قابلها مالينا ومارتن أثناء الأشهر الأولى من رحلتهم. ما زالت رحلة مالينا ومارتن مستمرة، حيث مروا حتى الآن بالإكوادور وكولومبيا والبرازيل والمكسيك، ويتجهون حتى ساعة كتابة هذا المقال صوب فنزويلا. الغرض الأساسي من هذه الرحلة التوثيقية هو الربط بين هذه الحركات وتدعيمها وتسهيل التعاون وتبادل الأفكار بينها، حيث يأمل مالينا ومارتن أن تضيف هذه المقاطع التي ينتجونها إلى النقاش الدائر وأن تكون إلهامًا لمزيدًا من الأفكار والحركات الهادفة إلى التكامل التعليمي في كل مدينة بالمنطقة.

في مقالنا القادم، سنقدم تفاصيلًا أكثر عن الرحلة، والمقابلات، والمقاطع التي توضح التجربة الثرية لهذا المشروع وتوضح ما أنتجته المجتمعات المتنوعة بأمريكا اللاتينية في مجال التعليم.

حركة التعليم هو مشروع شخصي، يعمل بفضل مساعدة الشركاء والأصدقاء. تجدون بهذا الرابط مجموعة من الطرق التي يمكنكم بها المساهمة في نجاح المشروع. يمكنكم أيضًا تفقد صفحة المشروع على فيسبوك لمزيد من الصور والقصص.

مصادر عدل