عادات وتقاليد الليبيين في الاحتفال برأس السنة الهجرية
الأثنين 10 أكتوبر 2016
تظل العادات والتقاليد جزء من حياة كل أمة وشعب، قد يختفى بعضها ويستمر بعضها الآخر وفقًا لممارسات قد تختلف من منطقة لأخرى. غير أن العادات والتقاليد المرتبطة بالجوانب الدينية في حياة الليبيين – حتى وإن قل تداولها – لم تنقطع نهائيًا عند نسبة لا بأس بها من الأسر الليبية. من بين تلك المناسبات الدينية الاحتفال ببداية العام الهجري. قبل يوم واحد من بداية كل عام هجري جديد يجتمع أفراد العائلة للاحتفال بيوم الكبيرة، حيث يقوم فرد من العائلة بالاستحمام في حين تقوم النساء بالتطيب والتزيين، ويقمن بإعداد وجبة عشاء دسمة ويُفضل أن يكون امبوخ وتحتوي على القديد.
يتناول أفراد الأسرة وجبة العشاء وهم يتحدثون ويتسامرون ويتبادلون التهاني بالعام الجديد وتتميز “كبيرة” رأس السنة الهجرية باحتفال خاص يُسمى “كبيرة الفتاشة”. في هذه الليلة تطبخ النساء أكلة الكسسكو مع عظام القديد “اعظيمات العيد” الذي يعُد في عيد الاضحى، ويتبادل الأهل والجيران أطباق الكسكسو بالفتاشة من باب صلة الرحم والمودة التي سادت المجتمع الليبي في العقود الماضية. في بادرة لتشجيع الأطفال على تناول هذا الطعام يوم الكبيرة، يكرر الكبار توصياتهم بضرورة تناول الجميع لتلك الوجبة حتى لاتأتيهم “الفتاشة” في الليل. والفتاشة هي شخصية وهمية من صنع الخيال الشعبي، تظهر على شكل امرأة عجوز تطوف على البيوت ليلًا لتفتش البطون، فمن وجدته قد أكل من الكسكسو تركته بخير، ومن وجدت بطنه خاليًا، تترك له “حيطة” أو حجر ثقيل. لذلك يحرص الأولاد أشد الحرص على أكل الكسكسو، بل ويبالغ بعضهم في الأكل لحد التخمة.
تتذكر الدكتورة سكينة بن عامر في كتابها “طيارة ورقة” ماكان ينتابهم من آلام وأوجاع بسبب الإكثار من تناول تلك الوجبة الدسمة:
«النص الأصلي:كنا نحرص على أكل “الكسكو”، بل ونبالغ في بعض الأحيان إلى درجة أننا نثير غضب الفتاشة فتزورنا وتترك لنا أحجارًا أكثر بكثير مما كنا نخاف منها أو نتوقعها.»
في اليوم الأول من شهرمحرم، يقوم بعض الشباب من صغار السن بوضع مقدار ملعقة صغيرة من الجير فوق عتبة كل منزل إشعارًا لأهل البيت بحلول شهر محرم، أو يكتفي البعض بوضع الملح أو الدقيق على مداخل البيوت والغرف تيمنًا بأن يكون العام الجديد عام خير وبركة. ربما تعود فكرة الأكل ووضع الجير الأبيض أمام الباب في هذه الليلة إلى التفاؤل بقدوم سنة جديدة يكون خيرها وفيرًا ورزقها أكثر، فالبطون ممتلئة بالأكل الجيد والأبيض رمز للخير، لذلك يتفائل الجميع بأن تكون هذه السنة بيضاء مليئة بالخصب والخير الوفير.
Une photo publiée par حفظ الله ليبيا (@libya_only_) le 5 Oct. 2016 à 6h54 PDT
تاريخ الاحتفال في ليبيا
لم يحتفل الليبيون بالعام الهجري كعيد رسمي خلال فترة الاستعمار الإيطالي وإن اعتُبرت المحافظة على عادة تناول “طعام الفتاشة” في اليوم الذي يسبق دخول العام الهجري تأكيدًا على الهوية المحلية للمجتمع الليبي واحتفاءًا بالحدث التاريخي الإسلامي الهام، أي هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وما تحمله من مضامين روحية عميقة وتحولات مفصلية على مستوى الدعوة وانتشار الدين الإسلامي وتأسيس دولة المسلمين في المدينة المنورة.
بقيام دولة الاستقلال في ليبيا عام 1952م، أصبح يوم بداية العام الهجري من المناسبات الدينية التي يوجه فيها رأس الدولة – آنذاك الملك إدريس – تهنئة للشعب الليبي والأمة الإسلامية، كما يُعتبر يوم عطلة للشعب الليبي. استمر الحال على هذا المنوال حتى مجيء معمر القذافي للحكم عبر انقلاب عسكري عام 1969، حيث اتخذ القذافي في السنوات الأولى من حكمه العديد من الإجراءات التي أظهرته بمظهر المحافظ على الدين الإسلامي، مثل إصدار أوامر بإغلاق النوادي الليلية وحظر الترفيه المستفز أو غير المحتشم والاستفادة من التقويم الهجري. لكنه سرعان ما انقلب على تلك الإجراءات والقرارات ليدعو إلى إعادة النظر في التقويم الهجري على أساس حسابه من تاريخ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم عام 632 وهو حدث كان يشعر أنه أكثر أهمية من عشر سنوات هجرية في وقت سابق.
كان هذا القرار من بين القرارات الصادمة والمثيرة للجدل وسط الشعب الليبي آنذاك، وأصبحت الدولة الليبية منذ شهر فبراير/ شباط عام 1979 تؤرخ منذ وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فكانت تلك السنة هي سنة 1388 من وفاة الرسول الموافقة للسنة 1399 للهجرة؛ أي بفارق عشر سنوات بين التقويمين. ومرت عقود نسي فيها الليبيون الاحتفال بتلك المناسبة التاريخية كما كانت بداية تحدي القذافي للثقافة الدينية للشعب الليبي واستفزازاً لمشاعره، حيث لم يُفهم الغرض الحقيقي من هذا التحول من التأريخ بالهجرة إلى التأريخ بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو التقويم المعمول به في ليبيا وباقي العالم الإسلامي من خلافة عمر بن الخطاب حتى مجيء القذافى إلى سدة الحكم في ليبيا.
رغم كل ما ذكره القذافي يومها من مبررات واهية وسخيفة، ظل الليبيون متمسكين بالتقويم الهجري الذي توارثه الآباء والأبناء لضبط تواريخ حياتهم وأهم الأحداث لوطنهم. كما كانت حادثة التغيير تلك مؤشر على ما ينتظر الليبيين من القذافي من تحٍد لثقافتهم الدينية استمر طوال أعوام حكمه، وظل الحال كما هو عليه حتى انتصار ثورة فبراير والإطاحة بحكم القذافي حيث قررت السلطات الجديدة العودة للتأريخ بالتقويم الهجري واعتباره يوم عطلة.
مصادر
عدل- نص مؤلف ومترجم برخصة المشاع الإبداعي نَسب المُصنَّف 3.0 غير موطَّنة (CC BY 3.0). «عادات وتقاليد الليبيين في الاحتفال برأس السنة الهجرية». الأصوات العالمية. 10 أكتوبر - تشرين الأول 2016.
شارك الخبر:
|