عودة الاحتفالات برأس السنة الأمازيغية بعد 50 عامًا على حظرها في ليبيا
الأثنين 23 يناير 2017
اتخذ الأمازيغ بشمال افريقيا من حدث تاريخي بداية لحساب السنة الأمازيغية، والحدث هو اعتلاء الأمير الليبي شيشنق، زعيم قبيلة المشواش، عرش وادي النيل، بعد وفاة الفرعون العجوز بسيخينو الثاني سنة 942 ق.م تقريباً. وقد ساهم شيشنق، ابن قبيلة المشواش التي هاجرت ليبيا لتستقر في وادي النيل في تلك الازمنة القديمة، خلال حكمه لوادي النيل على إعادة استقراره ونشاطه الداخلي وممتلكاته ونفوذه الخارجي، كما عرف شرق ليبيا ازدهار وسلام في تلك الفترة.
تبدأ رأس السنة وفقًا للتقويم الأمازيغي، يوم 13 يناير/كانون الثاني المسمى “يان ءير” أي الشهر الأول في السنة، ويرجح أن الأخذ بهذا التقويم بدأ منذ عصور قديمة ربما ترجع لنهاية العصر الحجري الحديث في شمال أفريقيا بعد معرفة إنسان تلك الفترة الزراعة بشكلها البدائي، مما تطلب الأمر من المزارعين التخطيط لعملهم السنوي وفقًا لدورة الفصول، وبهذا يعتبر التقويم الامازيغي تقويم زراعي بامتياز فهو يعتمد على الدورة الزراعية وما تنتجه الأرض من غلال وكل شهر له ارتباط بهموم وشؤون الفلاحين.
كما أن هناك طقوس تتعلق بكل مرحلة من مراحله، بل إن مظاهر الفرح والعادات والتقاليد يقصد منها جلب المطر مثل عادة تاسليت نـ ونژار (أمك طنبو) إذ كان الأطفال الصغار يقومون بإحضار لوحتين خشبيتين، يتم تركيبهما على شكل علامة (+) لصنع هيكل دمية تُعرف باسم (أمك طنبو حيث بها الصغار يجوبون أزقة وشوارع الأحياء ويدخلون بها البيوت مرددين أهزوجة شعبية من باب التفاؤل بهطول الأمطار الغزيرة في شهر (يان ء ير) تقول كلماتها:
«النص الأصلي:أمك طنبو يا صغار تبي اللو والنوار..
أمك طنبو بصخيبها تطلب من ربي ما يخيبها.
أمك طنبو فوق البير جرتها بالغدير..
أمك طنبو فوق الحيط امسح جرتها بالغيث.»
أما في ما يتعلق ببداية ظهور واستعمال مصطلحي “ التقويم الأمازيغي” و”السنة الأمازيغية”، فيعود الأمر إلى أواخر الستينيات حين قررت الحركة الثقافية الأمازيغية أن تجعل بدايته في ارتباط بالحدث التاريخي الذي تمت الإشارة إليه أعلاه.
احتفل الليبيون الناطقين بالامازيغية بهذه المناسبة للمرة الأولى في ليبيا خلال الخمسين سنة الماضية وبعد سقوط نظام القذافي، حيث اعتبروا هذه المناسبة عطلة رسمية في مناطقهم و قراهم.
تعرض الليبيين الناطقين بالأمازيغية للتهميش والتمييز ووصل الأمر إلى درجة إلقاء القبض، والحكم بالإعدام أحيانًا، على من يرفع العلم الذي يرمز للأمازيغ أو يطالب ببعض الحقوق الثقافية في عهد النظام السابق، فقد اعتبر القذافي القومية العربية مكون وحيد لهوية الشعب الليبي، ورفض الاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة ثانية إلى جانب العربية، معتبرًا أن الأمازيغية انقرضت، وبأن المطالبات باستخدامها تأتي من مؤامرة غربية على ليبيا ، فقد قال في خطابه له في أكتوبر/تشرين الأول 1997 رد على مذكرة للمطالب الأمازيغية:
«النص الأصلي:ما هي الأمازيغية؟ هم أصل العرب.. نحن ليس لدينا أقلية حتى نتكلم عنها ونقول يأخذون حقوقهم الثقافية أو لغتهم، هؤلاء عرب.. إنها ردة للعصور القديمة.. لأن الأمازيغية ليست لها أي قيمة.. الأمازيغيون الذين يطالبون بهذا عملاء الاستعمار.. هؤلاء يتقاضون رواتب من المخابرات الأجنبية.»
وبعيدًا عن توظيف هذه المناسبة من قبل حركات ومطالب معينة، فإن الاحتفال بهذه المناسبة والاحتفاء بالتقويم الأمازيغي يجب أن يأتي في إطار محاولة فهم هذا التقويم ضمن قراءة جديدة للتاريخ الليبي، وربطه بالهوية والعادات و الموروث الشعبي والتنوع الثقافي.
فقد استخُدم في ليبيا بين المزارعين والمشتغلين بالفلاحة تقويم مناخي قديم مرتبط بدورة الفصول وعُرف شعبيًا حتى لدى أهل المدن، ويُرجح أن هذا التقويم يعكس موروث مشترك مع باقي سكان شمال افريقيا من الأمازيغ، فتسمية شهر فورار الشائعة في التقويم الليبي القديم هي نفس التسمية في التقويم الأمازيغي.
هذا ويرتبط هذا الاحتفال بحكاية مشهورة تتداول في معظم بلدان شمال أفريقيا عن سخرية عنزة من شهر يناير متفاخرة بصحّتها الجيدة، مما أغضب هذا الشهر فتهددها قائلا: “نسلّف نهار من عمّي فورار يخلّفلك قرونك خلف الدار يلعبوا بيهم الصغار” ودفعه لاقتراض يوم من فبراير للعودة وقتل العنزة بالبرد القارص في فبراير أو فورار.
كما أن يوم 13 يناير/كانون الثاني يوافق خروج الليالي البيض التي تستمر 21 يوم لتدخل بعدها في اليوم التالي 14 يناير مايعرف بالليالي السود لتستمر حتى يوم 3 فورار، أي 3 فبراير/شباط.
ويحمل الموروث الشعبي الليبي الكثير من القصص والروايات التي تناقلتها الأجيال ، تتعلق بالتقويم القديم وارتباطه بالمعيز أو العنز، إذ تسمى الفترة مابين 14 فورار أي 14 فبراير/شباط حتى يوم 20 من نفس الشهر، تسمى هذه الفترة “بقِرة العنز” من تأثير البرد القارس على الحيوانات، وتصور الحكايات الشعبية تأثيرات الطقس في حوار على لسان العنز تقول لآخر يوم في الليالي البيض: “عديت ياطوبي مابليت عقوبي” ، فيقول لها: “عدي لخوي فورار إيحط قريناتك في النار (يقصد به شهر فبراير/شباط)”.
ويعتبر احتفال الليبيين الناطقين بالامازيغية بهذه المناسبة تأكيد على ارتباطهم بالأرض ويكرس فهمهم الخاص للحياة، إذ الملاحظ أن القاسم المشترك بين مختلف العادات والطقوس التي تقام خلال رأس السنة الجديدة هو ارتباطها بالأنشطة الزراعية، من زرع وغرس للأشجار والمحاصيل وتربية الماشية ، يعكس مدى الاحتفاء بدورة الحياة. هذا وتختلف طقوس وعادات وتقاليد الاحتفال بالسنة الأمازيغية داخل بلدان شمال إفريقيا من منطقة إلى أخرى، بل نجد أن هذه العادات والتقاليد تختلف حسب الجهات المكونة لبلد واحد.
مصادر
عدل- نص مؤلف ومترجم برخصة المشاع الإبداعي نَسب المُصنَّف 3.0 غير موطَّنة (CC BY 3.0). «عودة الاحتفالات برأس السنة الأمازيغية بعد 50 عامًا على حظرها في ليبيا». الأصوات العالمية. 23 يناير - كانون الثاني 2017.
شارك الخبر:
|