فنان سوري من هضبة الجولان المحتلة يستكشف الهوية والإنسانية في أعماله

الأثنين 31 يوليو 2017


كُتبت هذه القصة في الأصل لموقع حكاية ما انحكت من قبل أج نادف، طالب دراسات عربية و علوم سياسية، معلم لغة فرنسية، و مساعد باحث في قسم الدراسات العربية في جامعة ديفيدسون. يعاد نشرها هنا كجزء من اتفاقية شراكة.

أكرم الحلبي هو فنان من الهضبة الجبلية لمجدل شمس، الأكبر في الأربع مجتمعات الدرزية السورية المتبقية في الجزء الذي تحتله إسرائيل من مرتفعات جولان السورية. و بالرغم من قدومه من منطقة مثيرة للجدل، إلا أن الحلبي لا يدع السياسة تقود أعماله الفنية. بل يستخدم الفن كمحيط للتعبير عن بحثه عن الانسجام بين الطبيعة والإنسانية.

كونه مولود في عائلة فنية، بدأت مهنة الحلبي الفنية وهو طفل عندما كان يلون ويرسم تحت إرشاد معلم رسم من قريته. من عام 1997 وحتى 2000، درس الرسم والتصوير بالألوان في بيت الفن. ثم درس في كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق (2000-2005). في 2003، شارك في الأكاديمية الصيفية لدارة الفنون، تحت إشراف مروان قصاب باشي في عمان، الأردن.

غير أن عينيه، في المدرسة، كانت مسلطة على عرض واستكمال فنه في مكان آخر. استحث الضغط السياسي المتواصل لهويته في إسرائيل ساعات مكرسة لاتقان الأساليب الدقيقة للمنظور، الضوء والشكل الذي وراء فنه الحائز على الجوائز. كان هدفه بسيطًا: خلق الفن في مكان لن يجبر فيه على التحرك من نقطة تفتيش إلى أخرى.

لدي انتهائه من دراساته في كلية الفنون الجميلة، أصبح الأول من سكان مرتفعات الجولان يحصل على منحة لاستكمال دراساته في برلين. لكنه مُنع من السفر من قبل الحكومة السورية فقط بسبب انعدام جنسيته غير المستقرة. بعد أن استولت إسرائيل رسميًا علي مرتفعات الجولان في 1981، العام الذي ولد فيه الحلبي، بدأت في اعتبار السوريين في جولان مقيمين في إسرائيل ولكن غير مواطنين. سُمح للحلبي أن يدرس في دمشق بالرغم من سكنه في جولان المحتلة من إسرائيل بفضل برنامج تحت إشراف الأمم المتحدة واتفاق بين سوريا وإسرائيل.

بالرغم من المشاحنات، ثابر الحلبي. في 2007، عامين بعد التخرج، فاز بمنحة أخرى لفنه من خلال “منحة العالم الواحد للمؤسسة الإفريقية الآسيوية (مقرها فيينا)”، التي تدعم من 10-15 طالب كل عام من أفريقيا وآسيا ممن لديهم تركيز تنموي في دراستهم. وأخيراً حضر عند أكاديمية الفنون الجميلة في فيينا وأنهى دراساته بتميز في 2012 مع الدكتور إروين بوهاتش.

بالإضافة لدراسته الأكاديمية للفن، شارك الحلبي في معارض متنوعة عبر أوروبا. وجُمعت أعماله أيضًا من قبل جامعين خاصين في الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط، فضلاً عن المتحف البريطاني، لندن، و مجموعة الكوبفيرستيتشكابينيت في فيينا.

في صراع مع هويته في سياق نمساوي، أثناء وجوده في أكاديمية الفنون الجميلة في فيينا، أُلهم للسفر من 2009 وحتى 2012 عبر أوروبا وإلى فلسطين وإسرائيل ثم العودة إلى قريته. خلال رحلته، طلب الحلبي من الناس الذين قابلهم عشوائيًا تعريف ذاتهم في لحظة لقائهم وكتابة هذا التعريف علي أوراق الفواتير. وأطلق على المشروع اسم “رقائق الثلج”، مضيفًا لاحقًا أشكال هندسية صغيرة باستخدام كماشة لخلق خطوط على شكل بصمات يد ورقائق ثلج.

مع نسخ أوراق الكربون الزرقاء، استلم كل مشارك نسخة من عمله. و قال لموقع حكاية ما انحكت “يوجد الكثير من الناس الذين يريدون ويحتاجون حقاً للإفضاء لك بشيء ما، خاصةً كبار السن في الحدائق، كنت متحمسًا لأنني ولدت غير معرف – و مازلت غير معرف – لكني استطعت فهم نفسي أكثر من خلال فهم الآخرين. لذا قصدت الشوارع وبدأت التحدث مع الغرباء، ستدهش لكيفية تحول بعض الناس لأصدقاء قادرين على فهمك.”

وعلق أيضًا عن مخاطر البقاء حبيسًا في قوالب معينة. علي سبيل المثال، أعرض كثير من الإسرائيليين والفلسطينيين عن المشاركة في مشروعه فقط لأن الحلبي لم يجامل معتقداتهم الدينية.

الروح المنفتحة، المتسائلة والظريفة التي نُفذ المشروع من خلالها هي خير وصف لشخصية الحلبي. في 2010، أثناء عودته الصيفية المعتادة إلى قريته لرؤية عائلته، ابتدع مشروع أداء يدعى “المحبة أولاً”، حيث شكل 200 شخص من مرتفعات الجولان بأجسادهم عبارة “المحبة أولاً”.

في العام التالي، بعد اندلاع الانتفاضة السورية، تابع الحلبي بإثارة من خلال شاشته التلفزيونية. و أخبر موقع حكاية ما انحكت “لأنني قد عشت في حلب وبعض المناطق الأكثر تأثرًا بالثورة، كان علي إبداع الفن. لكني لا أملك أن أفعل شيئًا. بإمكاني فقط المشاهدة وعرض ما يحدث باستخدام عدسة أخرى”

آخذًا صور مروعة من حاسوبه انتُقدت إلى حد بعيد في الإعلام، تصور الحلبي مشروع “وجنة”، ماسحًا اللقطات بإضافة كلمات إنجليزية وحروف عربية حولها، وراسمًا خطوط عريضة أساسية للصور في بعض الأحيان. “أردت صنع بُعد ثالث للإدراك، صانعًا روابط بين الكلمة والصورة للمشاهد،” وضح الحلبي. وتسجل صوره المعادة الطبع السمات الظاهرة في الصورة بأسمائها، لتذكر الجمهور ببساطة بوجودها: “أذن، عين، حاجب، نافذة، دم، أنف، طفل، رقبة، حلق، ذقن، كتف، قلب، أم، أصابع، وجنة.”

يمثل المشروع قصة شعر في الفضاء، مزيلاً الرعب من الصور المشهورة الملطخة بالدماء المصورة بين عامي 2011 و 2013، خلال أول سنتين من ثورة سوريا، قبل أن يتطور الصراع إلى حرب كاملة بالوكالة. لليالي عديدة لم يستطع النوم حتى استكمال “وجنة”، وعندها فقط أمكنه المضي في مشاريعه الأخرى.

المدى الواسع للمحيطات والمواضيع في أعمال الحلبي متجانسة مع تصوره للهوية، كشيء مرن ومتطور عبر الزمن، كرقاقة الثلج. علاوة على كل شيء، يؤمن الحلبي أن الهويات الجغرافية هي علامات لا معنى لها، لا تحدد الأشخاص فقط بل نفسه كذلك. الأهم بالنسبة له هو تجربة الحياة، لا بملل أو بشكل مباشر بل بتقبل تعقيداتها وإيجاد الانسجام في أيامه. إبداع الفن هو طريقته للتعبير عن ذلك.

غير أن القدرة على المشاركة في حوارات عميقة، قراءة الأدب القيم، السباحة، مراقبة جمال الطبيعة (كافتتانه باليعاسيب) والتمثيل في العروض المسرحية، كلها تعبيرات تضفي معنى لحياته وتشعره بكونه مُعرفاً. “لا تنس الاستمتاع بيومك” قال الحلبي لحكاية ما انحكت. “فهذا أهم من هذه المقالة علي أي حال.”

في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، سيحضر الحلبي افتتاح معرض جماعي عارضًا أعماله في اليابان: “ شتات الحين” في متحف الفنون الجميلة في جيفو (11/11/2017 – 8/1/2018). شاهد المزيد من أعماله الفنية متعددة المعاني في ملفه هنا.

مصادر عدل