قطع خدمات الاتصال في سيناء يعزل ساكنيها ويحرمهم من خدمات أساسية

الجمعة 16 فبراير 2018


تترافق العمليات العسكرية التي أعلنت انطلاقها الأسبوع الماضي القوات المسلحة المصرية للقضاء على “الإرهابيين والعناصر الإجرامية” من شبه جزيرة سيناء مع قطع كامل للإنترنت والاتصالات. وتستهدف العملية الّتي سمّيت “ العملية العسكرية الشاملة: سيناء 2018” مجموعات مسلحة تابعة لداعش شمال ووسط سيناء وغرب نهر النيل وفي دلتا النيل.

وقد دفع قطع خدمات الاتصال ناشطين على الويب ومواطنين مصريين للشروع باستخدام وسم “ #سيناء_خارج_التغطية” للتعبير عن قلقهم إزاء المصير المجهول للمدنيين في سيناء، في ظلّ تعذّر الوصول إليهم على أرض الواقع وعلى الويب. فمنذ شهر يوليو/ تموز 2013 تعتبر السلطات المصرية شمال سيناء منطقة عسكرية مغلقة ممنوعة على الصحافيين ومراقبي حقوق الإنسان. وكان الجيش المصري قد تسبب في تهجير الآلاف في عمليات إخلاء قسري وهدم جماعي لمنازلهم لإنشاء مناطق عازلة على الحدود مع قطاع غزة، ومؤخراً حول مطار سيناء.

وقد وضعت العملية العسكرية الكبرى سيناء فعلياً خارج التغطية الإعلامية، خاصة مع قطع الاتصال بين أهالي سيناء غير المكتظّة بالسكّان، وعزلهم عن باقي مصر.

ويُعتبر هذا النوع من قطع الاتصالات أمراً مألوفاً لأهل مدينة العريش وغيرها في شمال سيناء، فهم ضحايا قطع الشبكة “كلّما كانت هناك عملية أمنية أو عسكرية في المنطقة الصحراوية شمال المدينة” بحسب ما أخبر به SMEX مهندسٌ من العريش رفض ذكر اسمه خوفاً من أن يتمّ استدعاؤه من قبل السلطات. أضاف المصدر أن الحكومة لاتحذّر المدنيين قبل قطع الشبكة ولا تقدّم أيّة تبريرات بعد عودتها.

تقود الحكومة المصرية عمليات عسكرية ضد تمرد سيناء منذ اندلاعه في 2011، بعيد الثورة المصرية التي أطاحت بالرئيس المصري حسني مبارك. حيث شنّت مجموعة أنصار بيت المقدس المتشدّدة عدة هجمات على القوى الأمنية المصرية قبل مبايعتهم لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في شبه جزيرة سيناء، وباتوا يعرفون بـ “الدولة الإسلامية – ولاية سيناء”.

وبحسب مهند صبري، وهو صحفي وباحث يركّز في عمله بشكل خاص على سيناء، فإنّ قطع الإنترنت والاتّصالات هو ممارسة غير ناجعة حيث أخبر SMEX في مقابلة هاتفية: “تعاني القوات الحكومية جرّاء هذه الانقطاعات أكثر من المجموعات المسلّحة”، في إشارةٍ إلى حوادث انقطع فيها الاتّصال بين القوات على الأرض، أو بينهم وبين وزارة الداخلية، خلال عمليات سابقة. أمّا المجموعات المسلّحة “فلديها وسائل بديلة للتواصل، كاستخدام أجهزة BGAN للاتّصال عبر الأقمار الصناعية، واستخدام أجهزة الاتّصال اللاسلكي المعروفة بـ’الووكي توكي’ التي تعتمد على الموجات القصيرة” أضاف صبري، موضّحاً الأثر الضئيل لقطع الشبكة على الأهداف المزعومة.

وفي واقع الأمر فإن هذه الانقطاعات تمنع الصحفيين المحلّيين والأجانب والمنظمات غير الحكومية من الوصول إلى مصادر ميدانية. “يعتبر الحدّ من تغطية إخفاق الاستراتيجية المصرية في سيناء وأثره السلبي على المجتمع هناك أحد أسباب قطع الشبكة” بحسب صبري. في 3 شباط/ فبراير فضحت صحيفة نيويورك تايمز “ تحالفاً سرياً” بين مصر وإسرائيل في الحرب ضدّ المسلّحين في شمال سيناء. تحاول الحكومة المصرية إخفاء معلومات كهذه عن الملأ بحسب صبري، مضيفاً أن “القيادة المصرية راغبة بإخفاء موافقتها على الضربات الجوية الموجهة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سيناء.”

يدير الجهاز القومي لتنظيم الاتّصالات في مصر كل ما يتعلّق بالاتّصالات، “ما يعني أنّ لهذه الجهة يد في أي قطع للشبكة يجري في مصر،” بحسب ما قاله ناشط في مجال حرّية التعبير لـ SMEX، على ألا يتم الكشف عن هويته حفاظاً على سلامته. قال الناشط أنّ “عدّة جهات حكومية تتدخل في عمل الجهاز القومي لتنظيم الاتّصالات، بينها وزارة الدفاع، ووزارة الداخلية، وجهاز الأمن القومي، وغيرها كوزارة الاتّصالات.”

ويتزامن القطع المتكرر لخدمات الاتّصالات والإنترنت مع تقييد الحكم العسكري للرئيس عبد الفتّاح السيسي لحرية التعبير وحرية الصحافة. في العام 2016، احتلّت مصر المرتبة الثالثة بين الدول الأكثر سجناً للصحفيين، بحسب لجنة حماية الصحفيين.

وما يجعل تغطية الوضع في شمال سيناء أكثر صعوبةً هو إعلانها منطقة عسكرية مغلقة وعدم السماح للصحفيين بدخولها. حيث قال مصدرنا في العريش أنّه من الضروري طلب موافقة المتحدّث العسكري تامر الرفاعي “الذي قلّما يعطي أيّة موافقات … ولا يسمح لأحد بتغطية هذا الموضوع أو أي موضوع حساس”. وعند سؤاله عمّا إذا وجدت أيّة منظماتٍ تناصر حقّ السكّان بالوصول إلى الإنترنت وخدمات الاتّصالات، قال: “إطلاقاً، لا يسمح لأحد بذلك … كما هو الحال بالنسبة للصحافة، عمل المنظمات غير الحكومية مقيّد جدّاً هنا”.

قال صبري أنّ الضحايا الحقيقيين لهذه الانقطاعات هم أهالي شمال سيناء لأنّهم لا يستطيعون “التبليغ عن الدمار أو الإصابات التي تقع … ويحدّ من وصولهم إلى خدمات الطوارئ”. وأضاف: “هناك عدة حالات لم تستطع فيها نساء حوامل الاتّصال بسيارات إسعافٍ عند المخاض”.

بالنسبة للسكّان، كمصدرنا في العريش، فإن: “أسوأ ما في هذه الانقطاعات هو عنصر المفاجأة”. لم يعلم بعض السكّان بوفاة أو مقتل أحدٍ من أقربائهم إلّا بعد حوالي 10 أو 12 ساعة من وقوع الحادثة. فيما كان على آخرين السفر مسافاتٍ طويلة، حوالي 90 كيلومتراً، فقط لإجراء مكالمة هاتفية أو إرسال رسالة بريد إلكتروني.

إن إعاقة الوصول إلى المعلومات وخدمات التواصل، والحد منها، هو أمر مقلق على صعيد مصر بأكملها وليس فقط شبه جزيرة سيناء. ومنذ 24 أيّار/ مايو 2017، حجبت الحكومة المصرية 496 موقعاً على الويب على الأقل، بحسب مؤسّسة حرّية الفكر والتعبير، وهي كيان قانوني مستقل.

من بين المواقع المحظورة وسائل إعلام عالمية على الويب، مثل واشنطن بوست، ووسائل إعلام مستقلة مثل مدى مصر. بحجة دعم الإرهاب أو نشر “الأخبار الزائفة” يحرم المصريون من الخدمات الأساسية ومن المعلومات في حين يخضع العمل الصحفي المحلّي للهجوم المنظّم.

مصادر

عدل