قوات الأمن التونسية تستهدف صحفيّي تغطية التظاهرات المناهضة للتقشف

الأثنين 26 فبراير 2018


أدى رد الفعل الأمني المفرط للحكومة التونسية تجاه الاحتجاجات المناهضة للتقشف إلى تعريض حرية الصحافة للخطر.

وطوال شهر كانون الثاني/يناير، خرج المتظاهرون في جميع أنحاء البلاد إلى الشوارع للتظاهر ضد الزيادات الضريبية التي تؤدي إلى رفع أسعار عدد كبير من السلع والخدمات، بما فيها خدمات الهاتف والإنترنت والمنتجات الزراعية المستوردة.

وجاءت هذه الزيادات نتاج قانون الموازنة عام 2018، الذي أدخل زيادة بنسبة 1 في المئة على ضريبة القيمة المضافة وزاد من الضرائب الجمركية. وتفرض الموازنة ضرائب جديدة مثل ضريبة الضمان الاجتماعي بنسبة 1٪ على الموظفين والشركات، وتفرض على نزلاء الفنادق دفع رسوم إضافية عن كل ليلة يقضونها في فندق.

ومع أن معظم الاحتجاجات كانت سلمية، فقد تحولت بعضها لتصبح عنيفة، وصاحبتها أعمال نهب وتخريب. وقُتِل أحد المتظاهرين في 8 كانون الثاني / يناير،عندما دهسته سيارة تابعة للشرطة -كما قيل- ولاذت بالفرار. وتزعم الحكومة أنه مات بسبب الاختناق بعد استنشاقه للغاز المسيل للدموع. وأُلقي القبض على مئات المتظاهرين، بما في ذلك نشطاء كانوا يوزعون منشورات تطالب بإصلاحات اقتصادية.

في ظل مناخ من التوتر الاجتماعي، الذي يُعد فيه دور وسائل الإعلام المستقلة هو المفتاح لتبديد المعلومات الخاطئة وإبلاغ المطالب المشروعة للمتظاهرين، فإن السلطات التونسية تضايق الصحفيين وتتعرض للانتقادات من جماعات حقوقية. وقد أدانت جماعات الدفاع عن حرية الصحافة، بما في ذلك نقابة الصحفيين التونسيين (SNJT)، ومراسلون بلا حدود، ومنظمة العفو الدولية، ونادي المراسلين الأجانب في شمال أفريقيا، ارتفاع وتيرة اعتداءات الشرطة على الصحفيين.

وقد وثقت نقابة الصحفيين التونسيين في تقريرها الشهري الصادر في كانون الثاني/يناير 2018، 18 انتهاكًا ارتُكِبَ ضد الصحفيين في البلاد خلال الشهر. وشملت الانتهاكات الاعتداءات والاعتقالات ومصادرة المعدات، أي أن معظمها كانت محاولات من قوات الأمن للسيطرة على التدفق الحر للمعلومات عن طريق إعاقة عمل وسائل الإعلام. وخلُص التقرير إلى أن ضباط الأمن وأعضاء النقابات الأمنية مسؤولون عن 11 انتهاكًا من أصل 18 انتهاكًا موثقًا.

استجواب الصحفيين ووضعهم تحت المراقبة

وثقت النقابة وجماعات حقوقية أخرى عدة حالات لاحتجاز الشرطة للصحفيين واستجوابهم في ما يخص تغطيتهم للاحتجاجات. وبعد وقت قصير من بدء الاضطرابات، استجوبت الشرطة التونسية صحفيين فرنسيين هما ميشيل بيكار وماثيو غالتييه. وقد احتُجِزَ بيكار، وهو صحفي مستقل، لفترة وجيزة في 14 كانون الثاني/يناير أثناء تغطيته لزيارة الرئيس الباجي قائد السبسي إلى حي التضامن في العاصمة تونس. وسألته الشرطة عما إذا كان يعمل مع صحفيين أو مصورين آخرين.

وفي 11 كانون الثاني/ يناير، استجوب ضباط الشرطة غالتييه، وهو مراسل لصحيفة ليبراسيون اليومية الفرنسية، لمدة ساعة إذ سألوه عن أسماء مصادره في طُبُرْبَة، وهي بلدة تقع على بعد 30 كيلومترًا من العاصمة حيث اتجهت الاحتجاجات للعنف وأدت إلى وفاة متظاهر واحد.

وفي 7 يناير / كانون الثاني، احتجزت الشرطة نديم بو عمود، وهو صحفي بموقع ‘تونس ريفيو'، واستولت على كاميرته وهاتفه وحذفت من أجهزته جميع المحتويات المتعلقة باحتجاجات ذلك اليوم. وصرح صحفيان آخران، وهما برهان اليحياوي من إذاعة موزاييك إف إم وأحمد رزقي من إذاعة شمس إف إم، أن ضابط شرطة صادر هواتفهما لفترة وجيزة أثناء تغطيتهما احتجاجاً في الڨَصْرِين.

وبالإضافة إلى عمليات الاحتجاز والاستجواب والتهديد، يشكو الصحفيون أيضاً من المراقبات غير القانونية. إذ تلقت النقابة عدة شكاوى من صحفيين حول “عودة مراقبة الشرطة لمنازلهم وأماكن عملهم وتحركاتهم”، ولم تنكر السلطات هذه الادعاءات. في الواقع، خلال جلسة استماع عُقِدَت في 29 كانون الثاني / يناير في لجنة الأمن والدفاع في البرلمان، اعترف وزير الداخلية لطفي براهم بالتنصت على هاتف غالتييه، مراسل صحيفة ليبراسيون، لأنه -كما يزعم- على اتصال بـ”مخربين”. على تويتر، أنكر الصحفي ذلك، قائلاً إنه تحدث فقط إلى الناس على الأرض في طُبُرْبَة.

يتخذ الصحفيون إجراءات، فترد الحكومة بخطاب مزدوج

دفعت هذه الهجمات المتعددة على حرية الصحافة، الصحفيين التونسيين إلى النزول إلى الشوارع في “يوم الغضب” في 2 فبراير / شباط احتجاجًا على ما تصفه النقابة بأنه “سياسة ممنهجة تستهدف الصحفيين لِإِخْضَاعِهِمْ وإسكاتهم، وَلِتُعِيقَهُمْ عن إيصال المعلومات، وكشف الحقيقة، وتوثيق انتهاكات الحكومة لحقوق المواطنين في الاحتجاج السلمي”.

ثم وجه رئيس النقابة، ناجي البغوري، رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان يدعوهم فيها إلى اتخاذ إجراءات ملموسة لوقف تصاعد العنف الذي تمارسه الشرطة ضد الصحفيين ووضع حد للسياسات الحكومية التي تعرض العملية الديمقراطية للخطر. وتعتزم النقابة أيضًا تقديم شكوى إلى المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير بشأن الوضع الراهن ودعوته إلى تونس لإجراء تحقيق.

ورداً على ذلك، أكّد المسؤولون الحكوميون على التزامهم بحرية الصحافة وحرية التعبير. وبعد ثلاثة أيام من “يوم الغضب”، التقى الرئيس السبسي بأعضاء مجلس النقابة وجدد التزامه بحماية حرية الإعلام وسلامة الصحفيين. لكن هذه تصريحات جوفاء، لأن السبسي قد وصف الصحافة في تونس بأنها “حرة للغاية” في مؤتمر صحفي سابق لهذا اللقاء بعدة أيام.

وصرح رئيس الوزراء يوسف الشاهد في لقاء مع رئيس النقابة بأن لحرية الإعلام -دون قيود- أهمية حيوية في العملية الديمقراطية بالبلاد، وأن حكومته ملتزمة بالوفاء بالتزاماتها تجاه حرية الصحافة. إذ ستستمع لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان بالاشتراك مع لجنة الحقوق والحريات إلى ممثلين عن الصحفيين واتحاد نقابات قوات الأمن لجمع توصياتهم من أجل علاقة عمل بها احترام متبادل بين الشرطة ووسائل الإعلام.

وعلى الرغم من التزام الحكومة التونسية بحرية الصحافة، إلا أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة (والتراخي) ساعد في خلق الوضع الراهن. فعندما اندلعت الاحتجاجات، بدلاً من معالجة السبب الجذري لهذا القلق الشعبي، اختار عدد من المسؤولين الحكوميين مهاجمة وسائل الإعلام. وقد اتهم الرئيس السبسي وسائل الإعلام الأجنبية والصحفيين بـ”تشويه صورة البلد” في تغطيتهم للاحتجاجات. وأدلى وزير الخارجية ببيان مماثل عن التغطية الإعلامية “غير المهنية” للاحتجاجات.

وبالإضافة إلى ذلك، هدد وزير الداخلية بمقاضاة أي شخص يثير الشكوك على شبكات التواصل الاجتماعي في قوات الأمن، ودعا إلى إطار قانوني لحماية الأمن والقوات المسلحة من “التهديدات المادية التي يواجهونها”، لكنه لم يتقدم بأي قرار حول الاعتداءات والتهديدات التي يتعرض لها الصحفيون على يد قوات الأمن.

وفي الواقع، تضغط وزارة الداخلية من أجل مشروع قانون “حماية قوات الأمن” والذي من شأنه أن يحد من حرية الصحافة والتعبير والتجمع من خلال تجريم الخطابات التي تعتبر “مشوهة” لصورة الشرطة.

وكانت مطالب العمل والعدالة الاجتماعية والحريات في قلب الانتفاضة التونسية التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي منذ أكثر من سبع سنوات. وفي حين أحرزت البلد تقدماً في ما يتعلق بالحريات، ولا سيما في نطاق حرية التعبير وحرية الصحافة، فإن الحالة الاقتصادية لا تزال مأساوية لدرجة أن هناك ما يقرب من 1500 احتجاج اجتماعي في جميع أنحاء البلد جرى توثيقه في كانون الثاني / يناير 2018 وحده.

إن رد الفعل الأمني القمعي، الذي يعامل المحتجين على أنهم مجرمين ويشكك في الدوافع وراء مطالبهم، يضع الصحفيين في وضع دقيق يُعَامَلون فيه بريبة -ويُهاجَمون ويُهدَدون نتيجة لذلك- وذلك كلما اعترضوا على سرد الحكومة للأحداث، وألقوا الضوء على انتهاكات قوات الأمن أو أعطوا صوتاً للمحتجين.

مصادر

عدل