كم تخسر الدول العربية بسبب انقطاعات خدمة الإنترنت؟

الجمعة 24 فبراير 2017


نشر الموضوع لأول مرة على موقع رصيف22، وتعيد الأصوات العالمية نشره باتفاق مع الموقع

بقلم: أحمد نظيف

اضطر الصحفي الليبي محمد بن إسماعيل إلى نقل مركز عمله إلى تونس بحثاً عن شبكة إنترنت قوية ومسترسلة. فعمله كمراسل وكاتب حول الوضع الليبي لعدد من الصحف ووسائل الإعلام الأجنبية يُحتم عليه أن يكون متواصلاً طول اليوم مع المحررين من خلال الإنترنت.

يجري إسماعيل أسبوعياً أكثر من رحلة بين تونس وليبيا، الأمر الذي يكلفه مالاً وجهداً، عدا المصاريف الإضافية التي يحتاجها للإقامة في تونس، لكنه ليس حالةً شاذةً أو معزولةً في العالم العربي.

المئات من الذين يتخذون من شبكة الإنترنت مورداً اقتصادياً أو يعتمدون عليها في أعمالهم، يواجهون صعوبات كثيرة لجهة الانقطاعات المستمرة التي تتعرض لها الشبكة لأسباب مختلفة، تقنية وسياسية. وتكلفهم خسائر مادية كبيرة، يصل بعضها إلى حد قطع مواردهم المالية نهائياً أو تفوّت عليهم فرصاً في تطوير الأعمال.

كم يكلفنا قطع الإنترنت؟

على الرغم من أن غالبية الدول العربية تعاني تعثراً في التحول الرقمي لاقتصاداتها، إلا أنها تعتمد ولو جزئياً على الإنترنت في الكثير من المجالات، خاصة شركات القطاع الخاص والفئات التي تعمل بشكل حر.

لكن مع تزايد الاتكال على الإنترنت مستقبلاً في نشاط الأعمال والإدارة، سترتفع خسائر الدول العربية التي تسببها انقطاعات الشبكة أو حتى “الإنترنت الضعيف”.

في العام الماضي قدّر مركز تكنولوجيا الابتكار، التابع لمؤسسة بروكينغز البحثية، كلفة قطع خدمات الإنترنت في سبع دول عربية بـ1.48 مليار دولار، تراوحت فيها الأوضاع ودوافع قطع الخدمة بين أسباب سياسية وتقنية.

في المقابل تباينت الجهات التي تقف خلف عملية قطع الخدمة بين سياسات الأنظمة الحاكمة أو الميليشيات المتمردة وكذلك لاعتبارات تكنولوجية. وقد كلفت مشاكل الإنترنت اقتصادات الدول النامية خسائر قُدرت بأكثر من 2.4 مليار دولار خلال العام 2016.

في نسخته للعام 2016، يشير تقرير ممارسة نشاط الأعمال في العالم، الصادر عن البنك الدولي، إلى ازدياد استخدام الإنترنت لرواد الأعمال بتعاملهم مع الحكومة، مع الأخذ بعين الاعتبار الفوائد الاقتصادية المحتملة لتقديم الخدمات الإلكترونية في جميع المجالات الاقتصادية.

في العام الماضي، نفّذت دول المنطقة 50 إصلاحاً، تشريعياً وإدارياً، يهدف إلى توفير وتحسين أنظمة دفع الضرائب إلكترونياً وعمليات تجهيز وثائق الاستيراد والتصدير وتسجيل الأعمال التجارية والممتلكات وغيرها. لكن كل ذلك يمكن أن يذهب أدراج الرياح، ما دامت خدمة الإنترنت تتعرض لانقطاعات مستمرة.

والأمر لا يتعلق فقط بالأضرار الاقتصادية، في منطقة يستخدم فيها أكثر من 128 مليون شخص شبكة الإنترنت لأغراض شتى، ما يجعل قطع الخدمة تهديداً للوضع الاجتماعي والسياسي في الكثير من الدول، فالناس لم تعد تستطيع العيش بلا إنترنت ولن تصمت طويلاً على ظاهرة قطع الخدمة الجماعي مهما كانت دوافعها.

ثلاث حالات

تُقسم ورقة بحثية نشرها مركز تكنولوجيا الابتكار، التابع لمؤسسة بروكينغز، في أكتوبر 2016، قطع خدمة الإنترنت إلى ست حالات تستهدف ثلاثة أنواع من خدمات الشبكة.

أولاً خدمة الإنترنت على المستوى الوطني، وهي أخطر وأقوى أنواع القطع، ويمكن أن تشمل كل مناطق البلاد أو جزءاً منها وعادةً ما تكون دوافعها سياسية.

ثانياً قطع خدمة الإنترنت في الهواتف المحمولة كلياً أو جزئياً، وهي الخدمة الأكثر استعمالاً، إذ يعتمد عليها حوالي 3 مليارات شخص في العالم، بينهم 58 مليوناً في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

أما النوع الثالث فهو عملية قطع الخدمة التي تستهدف خدمات جزئية في الشبكة كبعض المواقع أو المنصات أو التطبيقات، وهو أكثر الأنواع التي خلفت خسائر مادية وصلت إلى مليار دولار خلال العام 2016 في عدد من الدول النامية.

كذلك الأمر بالنسبة لفترات القطع وعدد المرات، فهي متفاوتة حسب الأسباب والدوافع. وقد وصلت إلى 629 يوماً في سبع دول عربية مجتمعة خلال العام الماضي، منها فترة إنقطاع في المغرب تجاوزت 182 يوماً واستهدفت خدمات المكالمات الصوتية والمرئية التي توفرها تطبيقات سكايب، فايبر، واتساب، وفيسبوك وماسنجر.

وكلف ذلك الاقتصاد المحلي 320 مليون دولار، وفقاً لأرقام أوردها مركز تكنولوجيا الابتكار، وذلك عقب إعلان الوكالة المغربية لتقنين المواصلات مطلع العام 2016، منع الاتصالات المجانية لأسباب اقتصادية وقانونية وتنظيمية.

كابوس الأنظمة

وتقف الدوافع السياسية خلف أغلب حالات قطع الخدمة في الدول العربية. فبعد أن شكلت الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي فضاءً كبيراً للنشاط السياسي منذ اندلاع موجة الثورات العربية في 2011 وقبلها بقليل، تحولت الشبكة إلى كابوس يؤرق الكثير من الأنظمة العربية.

وتعمد الكثير من دول المنطقة إلى قطع خدمة الإنترنت للحفاظ على سلطتها والحد من نشاط التيارات المعارضة كما تستعمل ذرائع أخرى لتبرير ذلك من قبيل محاربة الإرهاب، والحفاظ على الأمن القومي، أو حماية الشركات المحلية كما حدث في المغرب مع قرار قطع خدمة الاتصالات المجانية، أو غيرها.

بل يمكن أن تتخذ بعض الدول قراراً بتعطيل الإنترنت لمنع الغش في المدارس خلال فترة الامتحانات كما فعلت الجزائر في العام الماضي، عندما قطعت الإنترنت لأكثر من خمسة أيام تحسباً لكشف أو تسريب أسئلة امتحانات الثانوية العامة، الأمر الذي خلف خسائر فادحة لبعض الشركات العاملة في القطاع الرقمي.

كما وصل الحال ببعض الحكومات إلى أن تستخدم التهديدات الحقيقية أو المتصورة للاستقرار السياسي لسلطتها، أو المصالح الاقتصادية المحلية لتبرير القطع. وتزيد الأوضاع السياسية والأمنية المضطربة في المنطقة من تدعيم ذرائع الحكومات لقطع الشبكة. ففي سوريا مثلاً تتوزع مسؤولية انقطاع الخدمات بين النظام والميليشيات المسلحة، الأمر الذي يدفع الناس لتدبر أمرهم بطرقهم الخاصة. أما في ليبيا فالمسألة لا تتعلق بقرارات حكومية بل بأهواء بعض أمراء الحرب، فقد أصبح أمراً شائعاً أن يتم قطع الماء أو الكهرباء أو خدمات الهاتف والإنترنت على بعض المناطق في إطار الصراعات الأهلية القائمة في البلاد.

مصادر

عدل