كيف تحولت نظرة سكان العالم لتغير المناخ بعد محادثات كوبنهاجن؟

السبت 12 ديسمبر 2015


تمثل محادثات باريس التي انطلقت في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني أهم مؤتمر لتغير المناخ منذ مؤتمر COP 15 لاتفاقية الأمم المتحدة حول تغير المناخ والمنعقدة في كوبنهاجن سنة 2009. وقد تغير العالم كثيرًا منذ ذلك الحين. تطرق الجزء الأول لهذا الموضوع للتطورات العلمية الأساسية ومنحى الانبعاثات. أما الجزء الثاني فسيلقي نظرة عن كيفية تحول السياسات والرؤى خلال السنوات الست الأخيرة.

كتبت فيونا هارفي المقال الأصلي وتم نشره في مجلة Ensia.com التي تسلط الضوء على الحلول البيئية الدولية الراهنة.

شهد العالم تقدمًا سياسيًا منذ محادثات كوبنهاجن وأبرز إشارة لذلك هي الإعلان المشترك في أواخر السنة الماضية عن اتفاقية تخص انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من طرف الولايات المتحدة والصين، الدولتان الأكثر تلويثًا في العالم. ستخفض الولايات المتحدة انبعاثاتها من 26% إلى 28% بحلول 2025، بينما ستحدد الصين سقف انبعاثاتها بحلول 2030.

يشير هذا التقدم فرق واضح مقارنةً بكوبنهاجن، حيث وافقت الصين على مشاركة المسؤولية مع الولايات المتحدة والتحدث عن سقف للانبعاثات، مما يشكل تطورًا ملحوظًا نحو تحقيق اتفاق.

على صعيد الاقتصاد، شهدنا أيضًا دراسات عدة تُظهر أن معالجة تغير المناخ قد تكون نعمة على الاقتصاد وتبين كيف يمكن تحقيق التغييرات اللازمة للحفاظ على ميزانية الكربون مع التمتع بثمار الرخاء. مشروع الإقتصاد المناخي الجديد الذي يديره فليبي كالديرون، الرئيس السابق للمكسيك، كان المحرك الأساسي لهذا النقاش. كما أن تمويل المناخ – الدعم الذي تقدمه الدول الغنية للدول الفقيرة لمساعدتهم على تخفيض الانبعاثات والتأقلم مع تغير المناخ- قد ازداد أيضًا مع بنوك التنمية التي لعبت دورا رئيساً في جذب أموال القطاع الخاص.

إن الشركات تبدي اهتمامًا بالموضوع، ومنها من يجهّز لإعلان مبادرات جديدة حول تغير المناخ بعد باريس. كما تدعو شركات التأمين، التي تدرك الأخطار على المدى البعيد، للتحرك. حيث قامت مؤخرًا ست شركات أوربية كبيرة للنفط باقتراح للمشاركة في سعر الكربون. فيما يذهب البعض للقول أن لهذه الشركات أهدافاً أخرى غير الاهتمام بمصير الدول الفقيرة في ظل تغير المناخ، لربّما تكون مبادراتهم في غاية الأهمية.

الضغوط الشعبية في ازدياد

من الإشارات الإيجابية الأخرى التي شهدها العام المنصرم نجد التجمعات الضخمة مثل مسيرة نيويورك في مارس / آذار من العام الماضي والحركة المتصاعدة لحثّ الأفراد والأنظمة والشركات على التخلي عن الوقود الأحفوري. هذه الحركة قد تتزايد وتيرتها قبل قمة باريس.

أيضًا، لعبت الشخصيات العامة البارزة دورًا متزايدًا، ويعتبر صدور منشور البابا فرانسيس في ربيع هذا العام من أهم المداخلات، حيث ركز على البعد الأخلاقي لمعالجة تغير المناخ. استُقبلت هذه الخطوة بالترحيب ولكن أيضًا بانتقادات من بعض المشككين في نظرية تغير المناخ متهمين البابا بالتدخل في المسائل العلمية.

وعلاوة على ذلك في خريف هذا العام، أي قبل محادثات باريس، حضّرت الأمم المتحدة وحكومات العالم الأهداف الإنمائية المستدامة (SDGs) لتولي الأهداف الإنمائية للألفية المنتهية هذا العام. وسيكون تغير المناخ قضية محورية للأهداف الإنمائية المستدامة وليس مجرد موضوع إضافي، لما له من آثار كبيرة على عدة قضايا تتراوح من شح المياه إلى الإنتاجية الزراعية، المساواة بين الجنسين والهجرة البشرية. سيكون للجهود المبذولة في تفعيل الأهداف الإنمائية المستدامة، والتي ينظر إليها على أنها حاسمة من قبل خبراء التنمية، تأثير مفيد على المعركة ضد تغير المناخ.

تصورات مثيرة للقلق بخصوص تغير المناخ

في حين تشكل العديد من التطورات في السنوات الست الماضية بادرة خير لباريس، يوجد أيضًا عدد من التصورات التي يمكن أن تعرض الاتفاق القادم للخطر وكذلك قدرتنا على التصدي لتغير المناخ.

والأهم يكمن في اجتماع كوبنهاجن نفسه، والذي كان يوصف بكونه فشلاً ذريعًا على الرغم من التقدم المحرز هناك. لم تتمكن المحادثات من التخلص من ثوب السلبية مما يضع سقفًا عاليًا لباريس. وإذا فشل مؤتمر الأطراف الحادي والعشرين COP 21، فمن الصعب أن نتصور كيف لعملية الأمم المتحدة أن تتعثر.

إن فكرة التوقف المؤقت للاحترار العالمي تمثل هي الأخرى مشكلة خطيرة، لأنها أتاحت للمشككين في نظرية تغير المناخ إدعاء عدم وجود الاحترار العالمي أو أن حدوثه بطيء لدرجة أنه لا يستدعي الاهتمام وقد أصبح هذا الآن فكرة متداولة بين الكثيرين. لقد أوضح العلماء أن هذا التحليل غير دقيق: إن العالم لا يزال يحتر، وهناك أسباب وجيهة للاعتقاد بأن التباطؤ الطفيف في ارتفاع درجات الحرارة مؤقت، ويعود ذلك في أغلب الظن لامتصاص المحيطات للحرارة.

الظل القاتم للكربون

من بين الآليات المتقدمة لمساعدتنا في تقليل الانبعاثات، تجارة الكربون التي أخذت الصدارة دفعة واحدة. ولكن آلية التنمية النظيفة التابعة للأمم المتحدة – التي تسمح للبلدان الغنية بتعويض انبعاثاتها من خلال تمويل مشاريع في الدول الفقيرة مثل مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح – قد عانت من سلسلة من الضربات وأصبحت في طور الاحتضار، في أعقاب شبه انهيار لنظام الاتحاد الأوروبي لتداول الانبعاثات. إذا استمرت هذه التعويضات لغاية عام 2020 وما بعد، فإنها في حاجة ماسة لدعم قوي في باريس. وإلا فيجب إيجاد وسائل جديدة لتوجيه أموال المناخ لإثبات فاعليتها.

هناك أمر آخر يفرق بين وضع مؤتمر الأطراف 21 COP ومؤتمر COP 15 وهو الزيادة الأخيرة في استهلاك الفحم. “الوقت الذهبي للفحم” هي العبارة التي استخدمها أحد تجار الطاقة لوصف السنوات القليلة الماضية، حيث أن تراجع الأسعار وارتفاع الاستخدام أدى إلى انتعاش الإقبال على هذا الوقود ذو الانبعاث العال للكربون، في أجزاء كثيرة من العالم. وكانت النتيجة، لاسيما في البلدان الفقيرة، بناء محطات أقل فعالية، تعمل بالفحم لتوليد الطاقة على الطراز القديم. وحذّرت الهيئات القيادية على غرار وكالة الطاقة الدولية ومنظمة التعاون والتنمية من أن يعدّ هذا أخطر تهديد لمعالجة تغير المناخ، وقد لا يمكن حله خلال محادثات باريس. عندما يتم بناء محطات جديدة تعمل بالفحم لتوليد الكهرباء، فمن المرجح أن تستمر في العمل لفترة طويلة مثل نصف قرن، مورّطة العالم بمستويات عالية من الانبعاثات.

هل من اتفاق في الأفق؟

في النهاية، بعد عامين من انعقاد قمة كوبنهاجن، شهد العالم مرحلة هامة حيث بلغ عدد السكان 7 مليار نسمة. والمعضلة الكبرى تكمن في توفير الغذاء والحياة الكريمة والفرص للجميع، وزيادة وتيرة إخراجهم من الفقر بقدر ما يزداد عدد السكان. يعتبر كثير من العلماء أنه من الممكن تمامًا تحقيق هذه الأهداف دون تخطي عتبات تغير المناخ، غير أن ذلك سيكون صعبًا.

في إطار التحضير لمؤتمر باريس، ستكون إرادة حكومات العالم للتوصل إلى اتفاق أهم عنصر. وسنرى إذا ما تغير ذلك فعلاً منذ محادثات كوبنهاجن. هناك العديد من الإشارات التي تصب في هذا الاتجاه، ولكن خيار الإصغاء إلى العلماء والمواطنين والشركات يعود في نهاية المطاف للوزارات وقادتها.

فيونا هارفي صحافية بيئية حائزة على جائزة صحيفة الغارديان. عملت سابقًا لصحيفة فاينانشال تايمز لأكثر من عقد من الزمان. وأفادت عن كل قضية بيئية رئيسية، من مناطق بعيدة مثل القطب الشمالي والأمازون، ولها مجموعة واسعة من المقابلات تشمل بان كي مون، توني بلير، آل غور وجيف إميلت. تغرّد على @fionaharvey

مصادر

عدل