مئة عام على المجزرة: 1.5 مليون ضحية – من واجبنا أن نتذكرهم

الأحد 26 أبريل 2015


الرئيس الأرميني سيرج سركسيان يدلي بخطابه. المصدر: الموقع الإلكتروني الرئاسي

حضرت الأصوات العالمية المؤتمر الذي أقيم لإحياء الذكرى المئوية لمجازر الأرمن في 22 نيسان / أبريل والذي عُقد في مجمّع كارين ديمرتشيان للرياضة والموسيقى في العاصمة الأرمينية يريفان. وقد حمل المؤتمر عنوان “المؤتمر العالمي الدولي الاجتماعي والسياسي ضد جرائم الإبادة الجماعية”، وقد دُعي العديد من الباحثين والمؤرخين والصحفيين والسياسيين ورجال الدين المختصين بالأمور المتعلقة بالمجازر ليتحدثوا عن مجازر الأرمن بما حملته من إرث ثقافي بالإضافة إلى تبعاتها الحالية والمستقبلية في مواجهة القانون الدولي.

ويُعد عقد هذا المؤتمر مبادرة لرئيس أرمينيا سيرج سركسيان الذي أكد على أهمية التذكر وإحياء الذكرى في ضمير كل الأرمن. “إن إحياء هذه الذكرى واجب أخلاقي” كما قال، وأضاف “إنه لواجبنا الأخلاقي بل وحقنا أن نحيي ذكرى ضحايا المجازر البالغ عددهم مليون ونصف”. بعد خطابه، احتفى الرئيس بأولئك الذين فعلوا، عبر التاريخ، ما أملاه عليهم الضمير من شجب للمجازر واعتراض عليها، فاستشهد بآيرينا سيندلر و راؤول والينبرغ أثناء محارق اليهود، و ببول روسيساباغينا أثناء مجازر راوندا، و بفان تشهون أثناء مجازر كمبوديا.

أما بالنسبة لمجازر الأرمن فقد قال سركسيان بأن “إن الشعب الأرمني لم ينسً، وهو ممتن لكل أولئك الأكراد والأتراك الذين ساعدوا جيرانهم الأرمن خفيةً وأنقذوا حياتهم”، كما شكر “العرب الذين آووا كل من استطاع بالكاد النجاة من سكاكين الأتراك، بالإضافة إلى الروس والأمريكان والأوروبيين الذين اعتنوا بالأيتام الأرمن أو اشتركوا في أعمال الإغاثة”.

أعقب خطاب الرئيس الأرميني خطاب كاريكين الثاني “الكاثوليكوس الحالي للكرسي الأم” ورأس كنيسة الأرمن الأرثوذكس الذي تحدث عن حاجة المسيحيين للبقاء متحدين في الشرق الأوسط والعالم لمواجهة الاضطهاد، مستشهدًا بالمعاناة الحالية التي يعيشها أولئك الخاضعين لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف. تحدث كاريكين أيضًا عن العبء الذي تلقيه ظلال مجازر الأرمن على الأرمن اليوم، وكيف تزيد سياسة الحكومة التركية اتجاه الموضوع، والقائمة على الإنكار، من حجم المعاناة.

تلا ذلك خطاب محفِز أدلى به الأمين العام للمجلس الأوروبي ثوربيون ياغلاند الذي أكد في عدة مواضع في خطابه على أهمية الابتعاد عن النزعات القومية و”الاتجاه نحو الأممية” عوضًا عنها. ذكر ياغلاند أيضًا لقاءه مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات والذي اجتمع فيه مع قسّ فلسطيني أرمني كان ما زال يحتفظ “ بجواز سفر نانسين“، وهي جوازات السفر التي حملت اسم فريتيوف نانسين الذي كان حينها المفوض السامي للاجئين وأحد الحاصلين على جائزة نوبل للسلام تكريمًا لجهوده مع اللاجئين.

عمل نانسين على خلق وثيقة سفر للاجئين معترف بها دوليًا، والتي عرفت فيما بعد بجواز سفر نانسين. قامت عصبة الأمم، السلف السابق للأمم المتحدة، بإصدار هذه الجوازات للاجئين بمن فيهم الأرمن كي يتمكنوا من السفر وإيجاد ملجأ لهم في الدول القريبة. أثنى ياغلاند على جهود نانسين، مؤكدًا في ذات الوقت على أن العالم ما زال يواجه تحديات بنفس خطورة تلك التي واجهها في السابق، إن لم تكن أخطر منها، مستشهدًا على كلامه بالحروب في كٍل من ليبيا وسوريا بالإضافة إلى حادثة لامبيدوسا الأخيرة.

ألقى بعدها البروفسور دانيال فييرستاين، رئيس الاتحاد الدولي للباحثين في شؤون الإبادة الجماعية، خطابه والذي أعاد فيه تأكيد التزام مجتمع الباحثين في شؤون الإبادة الجماعية بالاعتراف بالمجازر التي ارتكبت بحق الأرمن واليونانيين والآشوريين الذين كانوا خاضعين للإمبراطورية العثمانية. وتحدث فييرستاين عن اشتمال المجازر عادًة على رغبٍة “بتدمير الهوية الوطنية للمضطهَدين وفرض الهوية الوطنية للمضطهِدين”. كما أعاد التحذيرات التي ذكرها ياغلاند حول النزعات القومية مستشهدًا بعدة أمثلة كالنزعة القومية التركية في الإمبراطورية العثمانية، والنزعة القومية الألمانية في ألمانيا النازية، والنزعة القومية الصربية في يوغوسلافيا، وأكد على الحاجة لأن تشمل الجهود المبذولة لإيقاف المجازر على باحثين مختصين في شؤون الإبادة الجماعية.

تضمن الجدول فسحة زمنية من عشر دقائق مُعدة لعرض صور ومشاهد من عدة مجازر من الأرمنية والآشورية واليونانية إلى الكمبودية والراوندية مرورًا بالهولوكوست وبضعٍة أُخر. تضمن المؤتمر أيضًا ذكرًا خاصًا لرافايل ليمكن، المحامي البولندي الذي “دفعه تأثره بالوضع الأرميني” لصياغته الشهيرة لمصطلح “genocide” أو “الإبادة الجماعية”.

“نضال الذاكرة ضد النسيان”

بدأ الجزء الثاني من المؤتمر بعنوان “موضوع المحاسبة والإلغاء فيما يتعلق بتبعات المجزرة”، وكان روجر و. سميث أول المتحدثين. وسميث هو باحث دولي مرموق مختص بشؤون الإبادة الجماعية كان قد درس سياسة الحكومة التركية المتعلقة بالإنكار. ذكر سميث أنه بالإضافة إلى الوسائل المعتادة من دعاوى قضائية وجهود حشد التأييد، فإن الحكومة التركية تتعمد منذ فترة التقليل من شأن مذابح الأرمن عن طريق الترويج لإستراتيجية “الألم المساوي” والتي تدّعي فيها بأن كلًا من الأتراك والأرمن عانى بشكٍل مساٍو في الفوضى التي خلقتها الحرب العالمية الأولى، وأضاف شارحًا سبب وجوده في المؤتمر باقتباٍس من الكاتب الفرنسي التشيكي ميلان كونديرا يقول: “إن نضال الإنسان ضد السلطة هو نضال الذاكرة ضد النسيان”.

حان بعد ذلك دور هنري ثيريولت من مجموعة دارسي تعويضات مجازر الأرمن. أراد ثيريولت دحض الاعتقاد الخاطئ بأن الذكرة المئوية للمجازر يمكن أن ترى على أنها الذروة، بل رأى بأنها، وعلى النقيض من ذلك، تحوُل نحو مستقبل من الاعتراف بما حصل. وذكر ثيريولت الحضور بأن الأرمن ليسوا الوحيدين الذين يطالبون باعتراٍف بمجزرةٍ حصلت لهم، مما أثار عاصفة من التصفيق. استشهد ثيريولت بالمذابح التي طالت الآشوريين واليونانيين بل وأضاف إليها ما تعرضت له شعوب الهيريرو والناماغوا من إبادة جماعية على يد حكومة جنوب غرب أفريقيا الألمانية (ما يعرف اليوم بناميبيا)، بالإضافة إلى السكان الأصليين لأمريكا.

بنهاية خطاب ثيريولت أتى دور أول متحدث تركي في المؤتمر. سينغيز أكتار هو عالم سياسي وكاتب وصحفي عًرف بحملته “ أنا أعتذر” التي نادى فيها الأتراك للاعتذار من الأرمن على المذابح، وقد جمعت حملته 32,000 توقيع.

تحدث أكتار عن الحركة التي يتزايد صداها والتي تدعو المجتمع التركي إلى الاعتراف بالجرائم التي ارتكبت أثناء المجازر. وأضاف بأن كل دور النشر الكبرى في تركيا قد طبعت كتابًا واحدًا على الأقل عن مجازر الأرمن باللغة التركية، وقد أصبحت كلمة “مجزرة” مقبولة أكثر فأكثر في الأوساط الأكاديمية. وذكر أيضًا أن بعض أحفاد الأرمن الذين اضطروا إلى اعتناق الإسلام حفاظًا على حياتهم، وهم من يُطلق عليهم الأرمن المُؤسلَمون، أو الأرمن المتخفون، قد عادوا إلى اعتناق المسيحية، في حين بقي آخرون على إسلامهم ولكن مع محافظتهم على هويتهم الأرمينية. وقد عقد أول إحياء علني لذكرى المجازر في ساحة تقسيم عام 2010، في حين، وفي ملاحظة أهم، فإن مواطني 28 بلدة تركية على الأقل ينوون الاحتفاء بإحياء ذكرى المجازر يوم الجمعة 24 نيسان / أبريل.

ختاماً اعتلت إستير موجاوايو المنصة، وهي واحدة من الناجين من مجازر التوتسي في رواندا وتعمل حاليًا كباحثٍة اجتماعية مع الناجين من المجازر. اتسم خطابها بالانفعالية العاطفية حيث اضطرت للتوقف عدة مرات لالتقاط أنفاسها وقد وقفت على المنصة وواجهت الحضور وهي مرتدية زي التوتسي التقليدي، لماذا؟

“إن أمهاتنا تمت تعريتهن من ملابسهن. أنا أرتدي هذه الثياب اليوم من أجل أمهاتنا بالإضافة إلى أمهاتكم”

مصادر

عدل