مرة أخرى يقف العلماء الصينيّون لمواجهة “الجدار الناري العظيم”

الأحد 12 مارس 2017


لقد أبدى العلماء الصينيون من وقتٍ لآخر اعتراضهم على النظام الوطني لتصفية الويب – أو كما يطلق عليه في كثير من الأحيان “الجدار الناري العظيم”، وهو النظام الذي يعمل على حجب ومراقبة حركة الويب من المواقع الأجنبية – كونه يضرّ بالبحث حسب قولهم.

لكن أصواتهم تم تجاهلها و”محوها” مرة تلو الأخرى.

جاءت آخر الانتقادات من لو فوهي، نائب رئيس الجهاز الاستشاري الوطني قبل انعقاد الجلسة السنوية لكل من المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني(CPPCC) والمجلس التشريعي، حيث قام “لو” نائب رئيس الجمعية الصينية لدعم الديمقراطية – وهي حزب سياسي لتمثيل الأقليات تابع للحزب الشيوعي الصيني – بتقديم اقتراح لحثّ الحكومة على تحسين سرعة الإنترنت لتصفح المواقع الأجنبية. جاء هذا الاقتراح مستندًا على دراسة أُجريت من قِبل حزبه.

قام صحافيّ من china.com بمتابعة الأخبار، وتم نشر تقريره عن البيان الذي أدلى به “لو” عبر منافذ إخبارية عديدة في الصين لتبدأ وسائل الإعلام الأجنبية بمتابعة التقرير خلال بضعة أيام. في الوقت نفسه تمّت إزالة أي تقرير يتتبع اقتراح “لو” من وسائل الإعلام المحلية، ومع ذلك لا يزال اقتراحه متداولًا في وسائل التواصل الاجتماعية الصينية ليلقى دعماً قوياً من قبل مستخدمي الإنترنت الصينيين.

في التقرير الإخباري الأصلي، انتقد “لو” الآثار السلبية على التطور الاقتصادي والعلمي الناتجة عن الاتصال البطيء بشبكة الانترنت:

«النص الأصلي:目前在我国境内访问境外网站的速度有愈加缓慢的趋势,这将给我国的经济社会发展和科学研究等方面造成极大的影响,需要引起高度关注,应通过增加国际网络出口宽带及设置境外网站访问权限负面清单等方式提高境外网站访问速度,满足开放发展的需要。»

«ترجمة:حالياً أصبح الاتصال بالمواقع الأجنبية في الانترنت بطيئاً جداً؛ إذ يؤثر سلباً على تطورنا الاقتصادي والعلمي، كما يؤثر أيضاً على البحث العلمي. يحتاج الأمر إلى انتباه العامة.

يجب تحسين البنية التحتية وزيادة عدد المنافذ للشبكة الدولية. إضافة إلى ذلك فإن إدخال نظام القائمة السوداء سيزيد من السرعة بما يكفي جميع احتياجات التطوير المفتوح.»

خلال السنوات الماضية طوِّر الجدار الناري العظيم ليعترض أية حركة من المواقع الأجنبية بالحجب والتصفية. كما أصبح بروتوكول نقل النص التشعبي الآمن من الممارسات المعتادة بالنسبة للمواقع الأجنبية. الآن حتى وإن كان الموقع غير محجوب في الصين، يتم إبطاء نقل المعلومات، تعطيلها، أو حتى في بعض الأحيان إيقافها.

يبين “لو” هذه المشكلة في اقتراحه:

«النص الأصلي:在国内访问联合国粮农组织或很多国外大学网站速度很慢,每打开一个网页至少需要10-20秒的时间,有的国外大学网站需要半小时以上的时间才能打开…有些研究人员靠买翻墙软件到域外去检索,完成自己的科研任务,这个不正常。»

«ترجمة:عند زيارة موقع منظمة الأغذية والزراعة(FAO) للأمم المتحدة أو العديد من المواقع الأجنبية الجامعية، يستغرق الوصول إلى الصفحة من 10-20 ثانية، وفي بعض الأحيان يصل إلى نصف الساعة. يظطر بعض الباحثين إلى شراء أدوات تساعدهم على مراوغة أو تجاوز الجدار الناري من أجل الوصول إلى المعلومات اللازمة لبحثهم العلمي. هذا أمر غير طبيعي.»

اقتبس “لو” من دراسة اجرتها الجمعية الصينية لدعم الديمقراطية(CAPD):

«النص الأصلي:有的留学生回国探亲期间就因无法打开自己在国外就读的大学网站而无法完成相关表格的网上填报;有的在华工作的专家学者需要利用周末或假期去香港等地访问境外网站查询所需研究资料。»

«ترجمة:في بعض الحالات عندما يعود بعض الطلاب الصينيون من الدراسة بالخارج من أجل العطلة، لا يستطيعون الوصول إلى مواقع جامعتهم وبالتالي يفشلون في تسليم أبحاثهم عبر الإنترنت. وهنالك حالات يتوجب فيها على الخبراء والأكاديميين أن يقضوا عطلاتهم او نهاية الاسبوع في هونغ كونغ أو بلدان أخرى فقط ليتمكنوا من الوصول إلى بعض المواقع الأجنبية لاستكمال أبحاثهم.»

يتضمن اقتراح “لو” ثلاث نقاط:

تحسين البنية التحتية للشبكة وذلك عن طريق تشييد كابلات تحت سطح البحر لزيادة سرعة الانترنت.

تشجيع مزودي خدمات الانترنت على زيادة سرعات الوصول للمواقع الأجنبية.

تطبيق نظام القائمة السوداء على بعض المواقع التي تخالف القوانين، وحجب صفحات محددة بدلًا من مراقبة كامل محتوى الويب من الخارج.

هذه ليست أول مرة ينتقد فيها عالم صيني الجدار الناري العظيم لعرقلته البحث العلمي؛ ففي 30 مايو/أيّار 2016 بعد أن حثّ الرئيس الصيني شي جين بينغ العلماء في خطابه على جعل الصين البلد الرائد في التطور التكنولوجي خلال المؤتمر الوطني للعلوم والتكنولوجيا، قام عالم قديم من أكاديمية العلوم وطلب من الرئيس منح العلماء إذن الوصول إلى المواقع الأجنبية.

كما جاء في سرد رجل الأعمال جونج وين شيانغ على موقع Weibo بعد يومين من المؤتمر أنه بعد خطاب الرئيس قام أحد العلماء وعلّق:

«النص الأصلي:屏蔽国外互联网可以,但我们搞科学研究的,是否可以网开一面,让我们可以通过互联网看国外的科技发展动态?…我们保证不看海外的反动消息。»

«ترجمة:لا بأس بحجب المواقع الأجنبية، ولكن هل يمكن منحمنا كعلماء وباحثين إذن الوصول والسماح لنا برؤية آخر التطورات العلمية في البلدان الأخرى…سنضمن لك تجاهل أي محتوى سياسي حرِج!»

حثّ شي جين بينغ العلماء الصينيين على مساعدة بلادهم لقيادة العالم في مجال التطور التكنولوجي ليطرح بعدها عالم آخر سؤالًا:

«النص الأصلي:嚴格的網路監管,對搞科研的人來講,損失是非常大的。科研工作者登陸國外的一些網站,可以了解很多科技先進國家正在做什麼,把科研成果轉化到了什麼地步。因此,是不是可以給搞科研的人一點特殊的方便?»

«ترجمة:رقابة الإنترنت صارمة جداً وتؤثر سلباً على العلماء. استخدام المواقع الأجنبية يمكن أن يساعدنا لمعرفة السبل التي مكّنت البلدان المتقدمة من تحويل اكتشافاتهم إلى منتجات. فهل يمكن منح العلماء والباحثين إذنًا خاصًا للوصول إلى “المواقع الاجنبية”؟»

وفقاً لتقرير من مجلة صينية، بعد هذا الخطاب ساد الصمت لوهلة في قاعة المؤتمر قبل انكساره بموجات من التصفيق الحار.

قام عالم آخر كان يجلس بالقرب من المتحدث الأول بأخذ الميكروفون والتعليق على خطاب الرئيس :

«النص الأصلي:在沒有比較和認識的情況下,中國要想走在世界科技發展的前面,領先世界,是非常困難的。»

«ترجمة:دون مقارنة معرفتنا بالبلدان الأخرى، سيكون من الصعب جدًا على الصين قيادة العالم في مجال التطور العلمي.»

ردّد عالم رابع:

«النص الأصلي:如果这个问题解决了,这次会议就相当成功了!»

«ترجمة:سيعتبر حلّ هذه المشكلة إنجازًا لهذا المؤتمر.»

لاحقاً، قام 78 عالمًا من الأكاديمية الصينية للعلوم بتقديم بيانٍ مشترك للرئيس، يطالبون فيه الحكومة بإرخاء السيطرة على الإنترنت ومنحهم إذن الاستخدام.

هذا الاقتراح الذي قدّمه لو فوهي ليس تصريحًا من عالم واحد، بل جهد اشترك فيه العديد من العلماء لدفع الحكومة لمنحهم الإذن لاستخدام المواقع الأجنبية.

الجدال حول تنظيم الانترنت في الصين دائم الاشتعال؛ ففي مارس/آذار من العام الماضي قامت وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات بمراجعة قوانينها لتنظيم أسماء مجالات تصفح الإنترنت، وطُرحت مسودة عبر الانترنت للنقاش لمدة شهر. و تطبيق هذه القوانين يعني إمرارالشبكة عبر قائمة بيضاء بواسطة نظام تسجيل محلي، وهذا يعني أن أي موقعٍ غير مسجل في قائمة الحكومة البيضاء لا يمكن الوصول إليه.

نتيجة للمعارضة القوية، تم إيقاف التشريع. لكن في يناير/كانون الثاني 2017 أعلنت شينخوا الإخبارية بصورة مفاجئة أن القرار في حكم التنظيم سيصدر قريباً.

والآن بعد أن تحدث العلماء مراراً وتكراراً ونالوا دعم الجمهور، يجب أن تحذر الحكومة من سخط مجتمع الانترنت إذا ما قاموا بتطبيق قوانين جديدة.

مصادر

عدل