مصر: خطاب مفتوح إلى المصريين المسيحيين

الخميس 13 يناير 2011


بعد تفجيرات كنيسة القديسين بالإسكندرية في بداية عام 2011، شعر كافة المصريين بالأسى والحزن والتعاطف مع الضحايا، بغض النظر عن الدين.

شريف، المعروف أيضاً باسم ابن عبد العزيز، هو مدون مصري شهير، شارك في تنظيم عدد من الحملات للقضاء على الطائفية في مصر مثل مصارحة ومصالحة، و معاً أمام الله. وبعد التفجيرات عبر ابن عبد العزيز عما يجيش في صدره في تدوينة طويلة بعنوان: “ربنا يعزيك”

«النص الأصلي:هذه التدوينة لاصحابي وزملائي وجيراني المسيحيين.حاولت الاتصال بكم بالهاتف وبعضكم تحدثت معه عن طريق الموبايل والبعض عن طريق الايميل والبعض ليس لدي هاتفه والبعض مغلق موبايله والبعض لا يرد علي الاتصالات

أشعر بغصة شديدة،ورغبة شديدة في البكاء ، يغلبني الدمع احيانا واحيانا اكتمه ، تحدثت مع احدكم منذ قليل ، وتبارينا من منا اشد حزنا علي ماحدث ثم بدأت بالبكاء وكتمته حتي لا يظن من كان معي علي الهاتف اني ازايد او اتصنع ، وفي الحقيقة ..لا توجد سوى حقيقة واحدة الان …ان ما حدث هو مصيبة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ، مصيبة ذات ظلال ثقيلة وتبعات مرهقة …لم يعد يهم من صنع هذا الان ..لأني اؤمن ان كثيرين صنعوا هذا …الذين خلقوا البيئة الطائفية ووفروا مرتعا لها يجعل كل من له رغبة في فعل مثل الذي حدث ..يجعله قادرا علي تنفيذها …..سواء من الخارج او من الداخل

انا مسلم …تعرفونني جيدا …ربما منذ سنين وربما من شهور …ربما تعرفون كيف افكر وماذا افعل …انا لم اضعكم وحدكم في بوست خاص الا لاشارككم مشاعر الحزن والغضب واليأس والقهر والأسى ، لا يهمني الآن …ما ظن البعض بي وكيف يفكرون فيما افعل ..بل انا افعل الذي افعله لاكون من انا بغض النظر عن اي راي

الذي يهمني ان كل واحد منكم يشعر بغصة والم وغضب وانا لا استطيع شيئا ..بيني وبينكم عشرة ومودة واخوة ووطن وقيم اقوي من النقد والسخرية والتشكيك في عقيدتي واولوياتي من قبل بعض المسلمين الذين يرون ما افعله مغازلة او طيبة او حتي خلل في فهمي لديني

ان لم استطع ان اعيش في وطن تأمنون فيه علي اعراضكم ودمائكم وبيوتكم وكنائسكم كما آمن انا…وان لم استطع العيش في بلد تأمنون فيه من تمييز بسبب الدين …فلا معنى لوطني هذا ..ولا معنى لشئ

كثيرون هم من يصنعون الكراهية وهم لا يشعرون …تظهر منهم في كلامهم او افعالهم او ايماءاتهم …يستترون بالله احيانا ويتدثرون بالهوية احيانا اخرى ..ويتذرعون باحداث هنا وهناك مرات عديدة …ولكني اريد ان اعرفكم اني اليوم عرفت ان فقدان اي منكم بسبب كراهية او جهل هو امر مؤلم لا احتمل تخيله

كل ما اعدكم به هو ان استمر في العودة الي الله كما عرفته منه هو ، وان اكون نفسي بين الناس او بعيدا عن الاعين – لا اختلاف – وان اقول الذي افعل وافعل الذي اقول وان استمر فيما افعل وان اصبر عليه وان اموت دونه ان طلب الامر

لست هنا لادافع عن الاسلام واقول انه دين سماجة وسلام وانه لا يامر بالعنف …ستسمعون هذا كثيرا …ولا يهمني حتى ان تضحكوا عندما تسمعون البعض يرددون هذا الكلام بل ولن اشعر بالضيق ان حدث هذا …فالحقيقة اني كمسلم اعرف ان هناك ازمة عند الكثيرين من المسلمين واني لا اعرف الحرج حينما اذكر هذا …فأنا لا اعبأ برضا الناس …ولا بسخطهم …ولا بموافقتهم او برفضهم …بل اعبأ بالذي بين جوانحي…وما بين جوانحي هو ان الله يأمر بالعدل ..وان الذي يحدث كل يوم ليس فيه من العدل شئ …ولو جمله الناس او زينوه او تواطئوا معه او تجاهلوه او اعتذروا له او برروه

انا لا اتحدث بالنيابة عن أحد ..فقط اتكلم بالنيابة عن نفسي ونفسي فقط

سيقول الكثيرون من المتضامنين ..العزاء لكل المصريين …وانا ارى ان المصريين كلمة لا معنى لها الان ..نحن طائفيون ..حتي ونحن نشعر بالاسي جميعا بسبب هذا الحادث ..فاننا في صميم تكويننا ..طائفيين …والطبيعي في هذا الوضع ان يكون المسيحي المصاب أكثر الما من المسلم المتعاطف معه ..بل ان الم المسيحي لن يشعر بها مسلم ابدا حتي يمر هو ذاته بما يمر به اخوه المسيحي في وطن واحد

ولذا انا اعزيكم جميعا – كما أعزي نفسي – انتم واهليكم وذويكم ..فبلغوهم تعازيا

سيقول البعض : ولماذا هذا ” الاغراق ” في التعبير عن الاسى…وساقول لهم وانا في منتهي ” الادب ” ..انا مصري في مصر…ولو الذي حدث لم يكن أهم شئ لدي في الكون لان هذه بلدي وهذا شعبي وهذه شوارعي وحواريا وطرقاتي ومدرستي وكليتي وعائلتي وعملي وسوقي ..فماذا يكون أهم ؟ لقد جعلنا كل شئ اخر أهم حتي نسينا هذه البلد تماما …لقد جعلنا اخ الشرق والغرب أهم ..فهان الجار والزميل والصاحب…لقد جعلنا هذا الوطن ..نحن ..وهم ..فانظروا ما ذا صنعت ايدينا …ان الذي اصنعه ليس اغراقا …بل هو اعادة الامور الي نصابها كما كان ينبغي ان تكون

اليوم انتم فزعون وهلعون …تشعرون ان مصر ليست بلادكم …وطبيعي ان تشعروا بهذا ..ان مصر ليست بلاد أحد الان ..وانتم بالذات لكم الحق ان تتركوها وترحلون …مسلمون ومسيحيون يشعرون بالغربة في مصر…لكن غربة المسيحي اشد من غربة المسلم من وجهة نظري ….من يساوي بين هذا وذاك فارقه الانصاف من وجهة نظري

ناهيك عن تلك الحادثة الشنعاء …فان كثيرا من المسلمين لا يسمعون الذي تسمعون من كلمات السخرية والتمييز …يظنون ان بعض الاحداث الطائفية التي حدثت نتشارك فيها جميعا نفس القدر من المسئولية ونسوا ان ما نجنيه اليوم هو رد فعل لاربعين سنة او تزيد من افعال واقوال طائفية ..الغريب ان انتاج الخطاب الذي يصنع العنف يقوم به الجميع الان بلا وعي …وهذه هي المشكلة

كثيرون سيقفون موقفا رافضا للحادث ..ولكنهم يرتكبون افعالا ويقولون اقوالا هي ذاتها خلقت البيئة التي سمحت لحادث كهذا ان يحدث

يحب الناس ان ينظروا الي التصاعد الطائفي وكأنه بدأ من سنة او سنتين او يريدون ان ينظروا الي الامر بحادثة او حادثتين

ولكنه اقدم من هذا بكثير جدا …وانما نجني اليوم ثماره ..ويالها من ثمار

اعاهد الله اليوم وانا علي مشارف ان ارزق باول طفل لي في حياتي ان اقوم بما يمكن ان التزم به … ان اعلمه كل ما اعرف وان يكون أفضل مني ومن امه ومن اجداده وجداته علي كل مستوى ممكن ، وان هذا هو الذي استطيع ان افعله واسأل الله ان اموت وقد تركت خلفي ذرية تعرف الله كما اراد الله وتامر بالعدل وتطبقه علي نفسها اولا وتكره الظلم وتنقد الذات وتصلح النفس وتبني الارض وتحارب الكراهية والوصم والتمييز وسائر ادواء البشر ما استطعت .

وكفرد من الاغلبية العددية ..اعرف مسئوليتي جيدا تجاه الاخرين من اقليات عددية بسبب الدين او المذهب او العرق ..وليت كل المسلمين يعرفون هذا

في النهاية

كلماتي عاجزة عن وصف ما اشعر به

هذه خواطري المبعثرة

وهذا بوح نفسي المثقلة

وهذا انا ..كما أنا

اسمحوا لي ان اقف في صفوفكم وان اخذ العزاء معكم .

وأن يقال لي : ربنا يعزيك»

مصادر

عدل