نصر متواضع لحقوق الإجهاض في بوليفيا
الأثنين 24 مارس 2014
نُشرت هذه المقالة على مدونة Rebel Currents (الكونغرس الشمال-أمريكي لأمريكا الجنوبية) بقلم ايميلي اشتينبرج، وهي عاملة في التخطيط الحضري ومؤلفة المدونة التي تغطي الحركات الاجتماعية والحكومات التقدمية في أمريكا اللاتينية.
في 13 فبراير / شباط أصدرت المحكمة العليا في بوليفيا حكمًا طال انتظاره يتناول شروط قانون العقوبات في الدولة والذي يجرم فعل الإجهاض إلا في حالات الاغتصاب، وسفاح القربى، أو عندما تكون حياة المرأة أو وضعها الصحي في خطر. في قضية استمرت لمدة عامين، وتم متابعتها عن كثب، رفضت المحكمة الدستورية متعددة القوميات (TCP) طعنًا قضائيًا لقانون 1972 الذي بُني على أساس دستور بوليفيا الجديد الذي يضمن حقوق المرأة الجنسية والإنجابية ويمنع التمييز على أساس الجنس. ولكنها في نفس الوقت أطاحت بالحكم القائم بضرورة الحصول على موافقة القاضي قبل القيام بفعل الإجهاض القانوني، الأمر الذي شكل عائقًا كبيرًا في طريق عمليات الإجهاض الآمنة والمسموح بها قانونيًا.
سُر محاميو الطرفين المعارض والمؤيد للإجهاض بهذا الحكم وكأنهم حصلوا على خاتم سليمان. أما بالنسبة لمعهد العائلة الكاثوليكية وحقوق الإنسان C-FAM، الذي نوه إلى رفض المحكمة الواضح لفعل الإجهاض على أنه حق إنجابي ينص عليه الدستور، وجد في هذا الحكم هزيمة لاذعة لمؤيدي الإجهاض. وبهذا الخصوص فقد أكدت المحكمة أن احترام الحياة هو من الأعمدة الأساسية لدولة بوليفيا.
أما بالنسبة لمنظمة IPAS وهي منظمة عالمية غير حكومية وداعمة لجماعات حقوق الإنجاب في بوليفيا، فقد كان الحكم بإلغاء ضرورة الحصول على الموافقة القضائية المسبقة بمثابة خطوة إيجابية ومهمة في مجال حقوق المرأة في المنطقة. وقد أظهرت دراسة في عام 2012 قامت بها IPAS أن حالات الإجهاض العلاجي يتم رفضها بشكل روتيني من قبل السلطة القضائية الغير مبالية حتى بضحايا الاغتصاب أو النساء اللاتي يعانين من حالة صحية خطرة تاركة إياهن تحت رحمة الإجراءات السرية.
حسب التقارير، تمت الموافقة على 6 عمليات إجهاض فقط خلال فترة دامت أكثر من 40 عامًا من تاريخ وضع قانون العقوبات. وقد كان الحكم بإلغاء الموافقة القضائية المسبقة مطلبًا رئيسيًا لاثنتين من لجان الأمم المتحدة اللتين حثتا بوليفيا السنة الماضية على التكيف مع تطور القانون الوطني والعالمي الذي يعتبر الإجهاض حق قانوني للمرأة. ومن النقاط الإيجابية التي يحملها هذا الحكم -حسب ما نوهت IPAS- هي التوجيهات التي أعطتها المحكمة للكونغرس البوليفي ومكتبه التنفيذي بضرورة تأمين عمليات إجهاض علاجية على الصعيد العالمي وكذلك بضرورة تطوير البرامج الصحية و التثقيفية لحماية حقوق المرأة الجنسية والإنجابية.
المثير في الموضوع، أن المحكمة استخدمت إطارًا قانونيًا جديدًا لتبرير حكمها في محاولة واضحة لجعل المبادئ الدستورية البوليفية متصالحة مع المعاهدات العالمية والمعتقدات الشعبية التقليدية بذات الوقت. في محاولتها الدفاع عن حقوق الإجهاض المحدودة في بوليفيا قامت المحكمة من خلال حكمها المذكور أعلاه بتبني معتقدات منطقة الأنديز المركزية ونظرتهم لحياة الإنسان على أنها جزء من الدائرة الكونية بلا بداية ولا نهاية والتي يقوم الدستور على حمايتها. وفي ذات الوقت، تدرك المحكمة مسؤولية بوليفيا كبلد عضو تجاه المعاهدات العالمية في ضرورة تأمين عمليات إجهاض آمنة وقانونية للنساء.
وقد ساعد هذا الحكم، في الوقت الراهن على الأقل، في تهدئة الإنفعال العاطفي الذي استفزه الجدل في هذه القضية داخل الطائفة الكاثوليكية والسكان الأصليين وهما الأغلبية في بوليفيا. وقد اعتمد معارضي الإجهاض في جدالهم بشكل كبير على أساسات دينية وأخلاقية. نقلًا عن النائبة ايميليانا آيزا، من السكان الأصليين ورئيسة كتلة الحزب الحاكم MAS (حركة باتجاه الاشتراكية) لدى غرفة النواب، فإن “الإجهاض جريمة، خطيئة في نظر الله” حسب إحصاء لعام 2010، فقد تبنى هذه النظرة ما يقارب 80% من نساء بوليفيا، ولكن 34% من النساء اللاتي شملهن الإحصاء يعتقدن بضرورة الحصول على حق الإجهاض في حال حدوث حمل غير مرغوب به.
وقد لعبت الكنيسة الكاثوليكية -التي كان ومازال لوجودها أثر كبير في المجتمع البوليفي على مدى التاريخ (هذا بالرغم من أن الكاثوليكية فقدت سلطتها الرسمية في بوليفيا منذ عام 2009)-دورًا قياديًا في معارضة الإجهاض سياسيًا ودينيًا. نسبة لرئيس الأساقفة في سانتا كروز سيرخيو غولبيرتي، الإجهاض هو سياسة امبريالية لتحديد النسل، مدعومة من قبل منظمات عالمية غير حكومية وحكومات أجنبية هدفها زعزعة سيادة بوليفيا. هذا الجدال أعاد للذاكرة قضية أثارت النزاع في عام 1960 تتعلق بجهود منظمة السلام الأمريكية المزعومة لعقم نساء بوليفيا من السكان الأصليين مما نتج عنه طرد هذه المنظمة من بوليفيا.
وقد شدد محامي الإجهاض على الأزمة الصحية العامة المترافقة مع عمليات الإجهاض الغير قانونية والمخاطر الكبيرة التي تتعرض لها النساء الفقيرات من السكان الأصليين. بالرغم من القيود الحالية، يقدر عدد عمليات الإجهاض التي تتم سنويًا في بوليفيا بشكل غير قانوني ما بين 60.000 إلى 80.000 عملية تتم بطرق غير آمنة وغالبًا في المناطق الفقيرة للمناطق الحضرية حيث تتمركز الأغلبية من السكان الأصليين. نصف هذا العدد تقريبًا يحتاج لرعاية صحية طارئة في المشفى لاحقًا. أظهرت الدراسات أن معدل وفيات الأمهات الناتج عن عمليات الإجهاض الغير آمنة يبلغ ثلث معدل وفيات الأمومة في بوليفيا، وهذه المعدل يعتبر من أعلى معدلات وفيات الأمومة في أمريكا اللاتينية.
كما أن النسبة العالية للحمل الغير مرغوب به ناتجة بمعظمها عن العنف الجنسي الذي يطال 7 نساء من أصل 10 وهذا من ثاني أعلى المعدلات في أمريكا اللاتينية بعد هايتي. كما أشارت الدراسات إلى الكم المرعب للتحقيقات الإجرائية (755 قضية في لاباز وسانتا كروز ما بين عامي 2008 و2012) مع نساء فقيرات تم الاشتباه بخضوعهن لإجهاض غير قانوني. عادة ما تنتهي هذه الشكاوى في المحاكم القضائية لأعوام بجهود جهات الرعاية الصحية والأقارب والمدعي العام، ومع ذلك فقد وصلت قلة من هذه الشكاوى إلى مستوى الإدانة الجرمية. (في القانون، يعد فعل الإجهاض الغير قانوني والخضوع له والمساعدة فيه جرم يعاقب عليه بالسجن من سنة إلى 6 سنوات).
وقد صرح ناشطي حقوق الإنجاب بأن هذه الشكاوى تستخدم عادة لمضايقة النساء وإخافتهم. في واحدة من القضايا رفيعة المستوى، قضت المتهمة، وهي امرأة غوارانية من السكان الأصليين وضحية للاغتصاب، 8 أشهر في الحبس الاحتياطي قبل حصولها على الإفراج عن بقية الحكم الصادر بحقها ومدته عامين. وكذلك الأمر في قيادة حكومة MAS، التي عادة تمثل جميع فئات الشعب، انقسمت الآراء حول هذا الموضوع. فبينما يصرح الرئيس ايفو موراليس باعتقاده الشخصي بأن الإجهاض جريمة، يشدد 5 من وزراء المجلس (بينهم 3 نساء) على تأييدهم ودعمهم لإزالة صفة الإجرام عن عمل الإجهاض. وقد أقيمت القضية الأساسية التي تحدت دستورية قانون الإجهاض المحدود من قبل نائبة MAS باتريسيا مانثيا (بصفتها الشخصية) وهي من السكان الأصليين.
إن الحكم الصادر عن TCP هو أحدث دليل للاهتمام المتزايد للجهات التشريعية والقضائية في التقليل من الحواجز أمام الإجهاض القانوني في أمريكا اللاتينية، هذه المنطقة التي تُعتبر فيها قوانين حقوق الإنجاب من أكثر القوانين تقييدًا في العالم. في آواخر 2013، سمحت الأرغواي، من خلال التصويت، بالإجهاض في مرحلته المبكرة بدون أية قيود منضمة بذلك لأربعة دول (كوبا، بورتو ريكو، غويانا، وغيانا الفرنسية)، بالإضافة إلى مدينة المكسيك التي أعلنت بشكل صريح رفضها تجريم الإجهاض. كما أن ستة من دول أمريكا اللاتينية (الأرجنتين، كولومبيا، بيرو، غواتيمالا، فنزويلا، الإكوادور) سمحت بالإجهاض العلاجي كما في بوليفيا. ويبقى الإجهاض ممنوعًا في الدول السبع التالية ( تشيلي، السلفادور، نيكاراغوا، هندوراس، هايتي، تسورينامي، وجمهورية الدومينيك). صحيح أن حكم TCP لن يضع نهاية للإجهاض الغير آمن ولكنه -بالنسبة لمحامي حقوق الإنجاب في بوليفيا- يسهل ويسرَع إجراءات الإجهاض الآمن ويجعله متاحًا أكثر. تقول باتريسيا مانثيا “بالنسبة للنساء، هذه خطوة متقدمة، ولكن النضال مايزال في بدايته”.
مصادر
عدل- نص مؤلف ومترجم برخصة المشاع الإبداعي نَسب المُصنَّف 3.0 غير موطَّنة (CC BY 3.0). «نصر متواضع لحقوق الإجهاض في بوليفيا». الأصوات العالمية. 24 مارس - آذار 2014.
شارك الخبر:
|