“الحاجة إلى تونس”

السبت 28 نوفمبر 2015


يعدّ “جي ستيبان”، الصحفي ذو الأصول المختلطة؛ تونسية، وفرنسية، وإيطالية، من أصحاب الخبرة الكبيرة في شؤون المغرب العربي والشرق الأوسط. إذ كتب عن هذه المواضيع في عدة صحف بدءًا من “لوموند” وصولاً إلى “نوفيل أوبسرفاتور” و”ماريانّ”. رحّب ستيبان من خلال هذا المقال المنشور على الموقع التونسي ليدرز بحصول اللجنة الرباعية للحوار التونسي على جائزة نوبل للسلام. وبعد موافقته نقوم بإعادة نشر المقال كتفاعل لأحد البلدان الناطقة بالفرنسية مع الجائزة.

باريس في الساعة الحادية عشر وخمس دقائق، يرن جرس الخلوي معلنًا استلامي رسالة قصيرة. سأطلع عليها بعد قليل. بعد مضي دقيقتين وصلتني رسالة أخرى، ثم ثالثة، ورابعة. ما الذي يحدث؟ قلقًا، أسحب هاتفي الجوال من جيب سترتي وأشرع في القراءة. صديقتي لورا من روما: “تحيا تونس!” حفيدي من مكتبه: “هل كنتَ تتخيل حدوث ذلك؟ إنّه لحدث رائع بالفعل!”. نيكول من مدريد: “أحسنت صنعًا، رادس” (قضّت طفولتها برادس). جون من سان فرنسيسكو: “مبروك، أنتم تستحقون ذلك بالفعل”. بوريس من موسكو: “مبروك، فلتحيا تونس!” جارتي آنّي: “سوف لن تتوقف الآن عن الحديث لنا عن بلدك تونس”. أنزلُ، فأجد في الحانة المقابلة جاريّا أحمد بائع الكباب وسموئيل تاجر الأحذية، كلاهما تونسي يشرب نخب الحدث. نظرة على أخبار غوغل وكل شيء يتضح: حصلتُ على جائزة نوبل، أو تقريبًا كذلك. كل التونسيين حصلوا على الجائزة. أتخيل الاحتفال في حي “بلفي” الباريسي وفي “بارباس” وفي مطاعم الدائرة 17.

أنا لم يفاجئني ذلك. إن لم تكن تونس فمن يستحق ذلك؟ أوباما؟ بوتين؟ الأسد؟ لوبان؟

إن الحرب الراهنة تحصد الأرواح تحت سمائنا لا في مكان آخر، في هذا العالم العربي المتهالك والغارق في حمام من دم.

تلك هي بلادنا التي تقع على مفترق الرفاه واللعنة: نقطة صغيرة بالكاد يمكن رؤيتها على الخريطة. لاهي الأكثر بريقًا ولا الأكثر إثارة، ولكنها ربما الأكثر جاذبية. هي لا تريد بترولاً ولا أسلحة، كل ما تريده حياة تعرف فيها الابتسامة طريقها إليها دون حزن. حياة تنبذ فيها الكراهية، قوامها التآلف لا التباغض.

في منطقة غير بعيدة من القطب الشمالي، مجموعة من الشيوخ ذوي الشعر الأشقر كرّسوا أنفسهم لهدف واحد: مراقبة قبضات وأسلحة المعمورة. من يسيء التصرف، ومن يحسن. من يؤمن بالعدالة، ومن يؤمن بالفساد. من الذي يقتل ومن الذي يداوي الجراح. لا أحد ولا شيء يمكن أن يفلت من عدسات مجهرهم. سنة كاملة وهم يفتشون كل البشرية كي يعثروا على من؟ عليكم، علينا، أم عليّ أنا. كنت أدرك أني في حاجة إلى تونس. لكن هذا ما كشفته لي أوسلو: أن كل العالم أيضًا في حاجة إلى تونس.

تستحق اللجنة الرباعية هذا الوطن. كان من الممكن لأوسلو أن تتخلى عن العرف بتتويج القائد السبسي وراشد الغنوشي كونهما قد تجنبا الكارثة المعلنة حينما تمكنا من مزج الماء مع الزيت. لكن أوسلو حافظت على تقليد ظالم بتكريم أبطال مثل كسنجر ولي دوك ثو 1973، وعرفات ورابين وبيريز 1993. لقد أقصوا حتى مركل. كان من الممكن أيضًا للجنة نوبل أن تكرّم كل الشعب التونسي. لكن يبدو أن الكثيرين في دمشق أو في سوسة ليسوا أهلاً لذلك. وبغض النظر عن اللجنة الرباعية، فإن هذا التتويج هو تتويج لكل التاريخ التونسي. هذا التاريخ الذي يملكه كل واحد منّا.

يشرح منصف هذا الصباح لعاملة التنظيف جائزة نوبل. وفي نهاية خطاب رب عملها الطويل، سألت صالحة: “ما الذي سيغيّر ذلك في حياتي؟” في ردّها هذا كانت صالحة قد قالت كل شيء.

من هنا فصاعدًا كل كلمة، وكل تصرّف يجب أن يُسبق بسؤال: هل ما سأقوله وما سأفعله سيكون بمستوى جائزة نوبل للسلام؟ أظنك أيها السلام شاهد على ذلك.

مصادر عدل