2016 .. حصاد "اللاشيء" في عملية التسوية

الاثنين 19 ديسمبر 2016


أخبار ذات علاقة

السياسة على ويكي الأخبار
بوابة السياسة على ويكي الأخبار

قاعة مجلس الأمن الدولي في نيويورك. المصدر: Patrick Gruban من مجلس الأمن
قاعة مجلس الأمن الدولي في نيويورك.
المصدر: Patrick Gruban من مجلس الأمن


كالسير في دائرة مفرغة، ظل مارثون عملية التسوية خلال عام 2016، مبادرات تطلق ولا تلبث أن يتم التراجع عنها. والثابت في الأمر أن الـ"لا" تسمعها دائما من الكيان الصهيوني، فيما الـ"نعم" هي التميمة الثابتة للسلطة أيا كانت التنازلات التي ستقدمها.

ورغم أن العام الحالي 2016 أوشك على الانقضاء، إلا أن حصاده الأبرز كان هو تحقيق "اللاشيء" في عملية التسوية بين الفلسطينيين وحكومة الكيان الصهيوني، وبقيت هذه العملية أسيرة المبادرات والجولات المكوكية التي يجريها الوسطاء الدوليون في المنطقة.

مبادرات فاشلة عدل

وفي توقف جهود التسوية التي قادتها الولايات المتحدة، نشطت بعض الدول للعب دور دبلوماسي في المنطقة عبر طرح بعض مبادرات تهدف لتحقيق تسوية شاملة.

وشهد مطلع العام 2016 محاولات فرنسية لبعث الروح في مبادرتها السابقة التي أطلقتها العام المنصرم، ولم يكتب بها النجاح بسبب رفض حكومة الكيان لها.

ففي كانون ثانٍ/ يناير، أعلن وزير الخارجية الفرنسية السابق لوران فابيوس أن بلاده ستعترف بشكل تلقائي بالدولة الفلسطينية إذا فشلت مبادرتها الرامية لتحريك عملية السلام في الشرق الأوسط، وجلب الحكومة "الإسرائيلية" والسلطة الفلسطينية إلى طاولة المفاوضات من جديد.

ورفضت "إسرائيل" بشدة تلك الرؤية، فيما رحبت بها السلطة الفلسطينية، لكن فابيوس استقال بشكل مفاجئ في العاشر من شباط/ فبراير، ليحل محله جان مارك آيرولت، والذي تراجع عن مسألة الاعتراف التلقائي بالدولة الفلسطينية، وقال إن بلاده "لن تعترف تلقائيا بالدولة الفلسطينية إذا فشلت مبادرتها".

وجاءت المبادرة الفرنسية الجديدة، بصورة مختلفة عن سابقتها، وتضمنت ضرورة إيجاد مجموعة دولية لتقوم بالاتفاق على مرجعية المفاوضات، من خلال عقد اجتماع دولي دون مشاركة "إسرائيل" وفلسطين، وعقد مؤتمر دولي يسبقه تشكيل فرق عمل حول الأمن والتعاون الإقليمي والاقتصادي ومقومات الدولة.

وكان من المفترض أن تنتهي المرحلتان قبل نهاية صيف 2016، وقد عقد الاجتماع الدولي فعلاً في الثالث من حزيران/ يونيو، بمشاركة 26 دولة ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري وممثلين عن الاتحاد الأوروبي والأمين العام لجامعة الدول العربية.

لكن المؤتمر الدولي تأجل عقده إلى ما قبل نهاية العام الجاري، وقد أجرى المبعوث الفرنسي بيير فيمون جولة في عدد من العواصم بالشرق الأوسط أواخر شهر تشرين الثاني/ نوفمبر؛ تحضيرًا لعقد المؤتمر.

واللافت في المبادرة الفرنسية الجديدة أن سقفها جاء أكثر انخفاضا من سابقتها؛ فبعد التراجع عن عرض مشروع قرار في مجلس الأمن، تُركت مسألة تحديد المرجعية للاجتماع الدولي، لتتضمن ما يمكن الاتفاق عليه، وهذا يعني أن مرجعية المفاوضات ليست القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، بل مرجعية متفق عليها، أي أدنى مما تتضمنه الشرعية الدولية.

ورغم ما احتوته المبادرة من نقاط مهمّة لمصلحة الكيان، إلا أن الحكومة "الإسرائيلية" أعلنت رسميا رفضها هذه المبادرة، مفضلة إجراء مفاوضات ثنائية مباشرة مع السلطة الفلسطينية، في الوقت الذي رحبت فيه السلطة الفلسطينية بالتحرك الفرنسي منذ البداية على الرغم من معرفتها بسقفه الهابط.

سلام دافئ واقتراح روسي عدل

في مايو/ أيار من هذا العام، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن حل القضية الفلسطينية سيجعل اتفاق السلام القائم بين مصر و"إسرائيل" أكثر دفئا، وأعرب عن استعداده للتوسط لإيجاد حل.

وقوبلت هذه التصريحات بترحيب من رئيس الحكومة "الإسرائيلية" بنيامين نتنياهو.

وفي خضم التحركات المصرية، أُعلن في شهر أغسطس/ آب عن مبادرة روسية كشف عنها الرئيس المصري، الذي قال إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبلغه استعداده لاستقبال عباس ونتنياهو لعقد مباحثات مباشرة في موسكو.

وبدت المبادرة وكأنها نتيجة تقارب المواقف بين "إسرائيل" وروسيا تجاه المبادرة الفرنسية التي رفضتها "إسرائيل" بينما تحفّظت عليها روسيا، وظهرت المبادرة الروسية وكأنها تأتي للتملص من الفرنسية من خلال قمة تعقد في موسكو، تشكل بديلا لمؤتمر باريس.

ودعت روسيا رسميا للقاء بين نتنياهو وعباس في موسكو يحضره الرئيس بوتين منتصف شهر سبتمبر/ أيلول، لكن هذا اللقاء أُجّل إلى إشعار آخر بعد ضغوط مارستها الولايات المتحدة على نتنياهو، قبل أن يعلن مسؤولون فلسطينيون أن روسيا أبلغتهم باستئناف جهودها لعقد اللقاء.

وزار رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف في العاشر من نوفمبر/تشرين ثانٍ المنطقة التقى خلالها نتنياهو وعباس، لبحث إمكانية عقد القمة.

وأعلن رئيس السلطة ترحيبه بدعوة الرئيس الروسي وموافقته على لقاء نتنياهو في موسكو دون شروط مسبقة.

المبادرة العربية عدل

وجددت الدول العربية في اجتماع القمة الذي عقد في العاصمة الموريتانية نواكشوط في تموز/ يوليو، تمسكها بإيجاد حل شامل وعادل ودائم للقضية الفلسطينية يستند إلى مبادرة السلام العربية التي تبنتها القمة العربية ببيروت عام 2002.

وكان العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز أطلق مبادرة للسلام عام 2002، تنسحب بمقتضاها "إسرائيل" من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 والجولان السوري، والتوصل إلى حل عادل يُتفق عليه لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، مقابل تطبيع عربي كامل مع الكيان.

لكن الحكومات "الإسرائيلية" المتعاقبة منذ ذلك الحين ترفض هذه المبادرة بشكلها الحالي، وتطالب بإدخال تعديلات عليها لقبولها.

فرص النجاح عدل

لم تنجح أي من المبادرات المطروحة في تحقيق اختراق في عملية التسوية بسبب الرفض "الإسرائيلي" لها رغم أنها في مجملها تصب في مصلحة الموقف الإسرائيلي.

في حين كانت السلطة الفلسطينية تتلقى هذه المبادرات وتوافق عليها رغم كونها لا تصب في مصلحة الشعب الفلسطيني، وتنطوي على استمرار التنازلات، منطلقة في ذلك من انعدام فرص نجاحها في ظل رفض حكومة الكيان لها، فلماذا تتحمل هي مسؤولية فشلها؟!

ويعزو مراقبون رفض الكيان لهذه المبادرات إلى أن نتنياهو لا يريد تسجيل سابقة بالقبول بأن تجري المفاوضات تحت إشراف أو رعاية غير الرعاية الأمريكية التي كانت باستمرار منحازة لـ"إسرائيل"، تجنبا لأية قيود أو التزامات.

كما أنه في ظل انشغال الدول العربية بأوضاعها الداخلية، فإن نتنياهو يعطي الأولوية لاستغلال هذه الظروف لفرض أمر واقع على الأرض واستكمال عملية تهويد القدس، بما يحول دون قيام دولة فلسطينية مستقبلا.

والأهم من ذلك أن نتنياهو ليس في وارد القبول بقيام دولة فلسطينية، وإنما يسعى لإعلان الدولة اليهودية على كامل أرض فلسطين التاريخية، وتحويل الفلسطينيين إلى مجرد أقلية داخل كانتونات تتمتع بحكم ذاتي تحت السيادة "الإسرائيلية".

سيناريو مستقبلي عدل

ومع الإدارة الأمريكية الجديدة يبدو أن سيناريوهات كثيرة تتغير، خاصة مع  قرار الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، تعيين المحامي اليهودي الصهيوني، ديفيد فريدمان، المؤيد للاستيطان والمتحفّظ على حل الدولتين، سفيراً للولايات المتحدة لدى "إسرائيل".

وبذلك يكون ترامب قرر تسجيل نقطة تحول حتى على مستوى الخطاب الدبلوماسي، الذي لم يعد يأبه أو يقيم وزنا للموقف العربي العام في كل ما يتعلق بمستقبل القدس المحتلة ومصيرها والقضية الفلسطينية عموماً.

كما أن تعيين تلك الشخصية يؤشر لاتجاهات سياسة ترامب المستقبلية، خصوصاً أن الأخير أعلن مع تعيينه فريدمان "أن علاقات فريدمان الجيدة مع إسرائيل ستكون الأساس لمهمته الدبلوماسية، وستكون ذخراً كبيراً للولايات المتحدة"، فضلا عن وعود ترامب بنقل السفارة الأمريكية بالكيان الصهيوني إلى القدس المحتلة، الأمر الذي يؤكد ما ذهب إليه كثيرون من أن ترامب قد لا يؤيد حلّ الدولتين، ولا يعدّه مصلحة أميركية، وهو ما يعد ضربة قاصمة لعملية التسوية.

قواعد اللعبة عدل

ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الدكتور رائد نعيرات لـ"المركز الفلسطيني للإعلام" إن رفض حكومة الكيان كل هذه المبادرات يعود إلى أنها لا تريد تغيير قواعد اللعبة التفاوضية؛ لأن هذا سيفتح عليها العديد من الأبواب.

ويرى بأن هذه الدول لن تستطيع أن تقدم بديلا للموقف الأمريكي من عملية السلام في المرحلة الحالية.

وفيما يتعلق بالمبادرة الفرنسية وجهود عقد مؤتمر دولي قبل نهاية هذا العام، يرى نعيرات أن هذا المؤتمر حتى لو عقد، فإنه سيكون مجرد لقاء سياسي مع الإبقاء على قواعد إدارة العملية التفاوضية كما هي.

ويضيف أن هذه المبادرة تقوم على وضع قواعد سياسية جديدة لإدارة العملية التفاوضية، لكن الموقف الأمريكي يحاول تفريغ هذه المبادرة من مضمونها.

ويتوقع نعيرات أن لا يشهد العام المقبل 2017 أي تقدم على صعيد التسوية، وأن الإدارة الأمريكية الجديدة ستعمل على الإبقاء على الوضع الراهن.

مصادر عدل