مادس جيلبرت.. طبيب نرويجي "وثق جرائم" الاحتلال بغزة

الثلاثاء 13 ديسمبر 2016


كشف الطبيب النرويجي المختص في التخدير وقسم الطوارئ، مادس جيلبرت، عن العديد من الجرائم التي ارتكبها الكيان الصهيوني خلال 4 حروب شنها على قطاع غزة.

وقال جيلبرت (69 عاما) خلال حوار له مع وكالة الأناضول، إنه عاهد نفسه على مساندة المستضعفين، ولذلك قرر السفر من بلد إلى بلد لدعم الفلسطينيين خاصة، مؤكدا أنه كان معهم  في بيروت خلال الاجتياح  عام 1982، ومعهم في غزة خلال حروب العدوان أعوام 2006، و2009، و2012، و2014.

وأدلى الطبيب النرويجي بشهادته التي أكد فيها أن "سياسة "إسرائيل" لا تتغير، هم يحاصرون غزة الآن تماما كما فعلوا قبل 34 عاما حين حاصروا بيروت، ومنعوا عنها مقومات الحياة، قبل أن يبدأوا في القصف والتفجير والاغتيال".

قصف المستشفيات وسيارات الإسعاف عدل

ويوثق جيلبرت في ذاكرته تفاصيل لم تروها وسائل الإعلام، مؤكدا أنه كان خلف شاشات التلفاز يرى كيف يستهدف الاحتلال المستشفيات، وسيارات الإسعاف، ويقتل الأطباء والمسعفين؛ لعله يرهب الناس فلا يدافعون عن حقوقهم.

ويرى أن هذه الهجمات متعمدة، فهو لا يجد مبررا لقصف 47 سيارة إسعاف خلال الحرب الأخيرة، مشددا على أن "الإسرائيليين يعلمون أن ما يفعلونه يخالف المواثيق والأعراف الدولية، لكنهم يتمتعون بحصانة دولية من الملاحقة والعقاب"، وهو ما دفع الكيان لمنعه دخول غزة نهائيا لما يعتبره "أسبابا أمنية".

وهو يستغرب محاولة "إسرائيل" تبرير قتلها لمدنيين بوجود أسلحة خطيرة تكتنزها حركة "حماس" بين المدنيين، فهذا بحسبه "ادعاء غبي وكاذب (..) الأسلحة ليست في المدارس التي قصفتها آلة الحرب الإسرائيلية، ولا المستشفيات ولا أماكن العبادة، ولا في آلاف المنازل التي هدمت فوق ساكنيها".

ويعتقد أن "الجيش الإسرائيلي لو كان حقا يريد قتل المسلحين، لفتح الحدود وأخرج المدنيين، ثم حارب المسلحين، لكن الحقيقة هي أن "إسرائيل" و(حليفتها) الولايات المتحدة الأمريكية تريان في غزة أرضا خصبة لتجربة الأسلحة الجديدة وعرض بعضها على العالم".

حصد أرواح البشر عدل

جيلبرت، الذي عمل في مستشفى "دار الشفاء" خلال الحرب الأخيرة، يأسى لوضع القطاع الصحي في غزة، فعلى حد قوله، "لا يمكن أبدا توقع أوضاع مستشفيات غزة بعد قرابة 10 سنين من الحصار والتجويع، فربما لا توجد أبسط معدات الجراحة ولا أدوية أساسية، هي كارثة إنسانية تستحق معالجة سريعة".

وبجانب أحاديثه الإعلامية عن فظائع هذه الحروب الإسرائيلية، أصدر كتابا عن الحرب الأخيرة (2014)، وهو ما يفسره بأن "إسرائيل تحصد أرواح البشر التي نعمل كأطباء على حفظها؛ لهذا أصدرت كتابا بعنوان (ليل غزة) أوثق فيه الإجرام الإسرائيلي بحق الفلسطينيين خلال الحرب الأخيرة باللحظة والدقيقة والصورة والكلمة".

ويمضي الطبيب، الذي يتضامن مع الفلسطينيين منذ سبعينيات القرن الماضي، قائلا: "بعد أن ضاعفت إسرائيل أوزان الأسلحة التي استخدمتها على غزة 5 مرات عام 2014 مقارنة بـ 2009، أي نحو 502 طن من المتفجرات، لم يعد باستطاعتي نسيان حالات وصلتنا برؤوس مقطعة، وأشلاء، وأطفال مصابين بحروق في الرأس والوجه والجسد".

توثيق هذه الحرب لم يقتصر على ذلك الكتاب، كما يقول، "بل وضعته أيضا في تقريري الذي كتبته لمنظمة الأمم المتحدة، راصدا آثار الحصار المدمر وانعدام مقومات الحياة، وما آل بغزة جراء الحروب الإسرائيلية المتلاحقة".

حكاية صمود عدل

"ورغم استغلال إسرائيل 51 يوما من الحرب لتدمير البنى التحية، كمحطات توليد الكهرباء وخزانات المياه والأبنية"، بحسب جيلبرت، فإن "أكثر ما يسترعي الانتباه هو إرادة الفلسطينيين، حين يتحول الشعب كله إلى أسرة تساعد في إنقاذ الأرواح ومداواة الجراح؛ لهذا أعتبر نفسي ملتزما بتلبية ندائهم في أي وقت، فهذا هو التزام حياتي".

ولجهوده في إنقاذ الفلسطينيين والتواجد معهم وقت الأخطار، يحظى هذا الطبيب بمكانة وحفاوة كبيرتين أينما حل، لكنه لا يرى في نفسه "بطلا"، معتبرا أن "البطولة الحقيقة هي في شعب غزة الصامد، فهم يصنعون الحياة من العدم".

وباعتزاز، يتابع: "أكثر ما وددت نقله إلى العالم هي حكاية صمود هذا الشعب أمام آلات الحرب الإسرائيلية، وإصرارهم على العيش في بيئة تتآكل بفعل الحصار والحرب.. البطولة الحقيقة في أطفال غزة ونسائها ورجالها، في المسعفين والممرضين، وحتى في الجرحى أنفسهم".

مستنكرا، يتساءل الطبيب، الذي يترأس قسم طب الطوارئ في مستشفى جامعة شمال النرويج: "أين القوانين والأعراف والمواثيق الدولية ؟! لماذا لم يتحرك العالم والمنظمات الحقوقية لمحاسبة إسرائيل على قصف وتدمير 70 مستشفى في غزة؛ ما هو مدمر نصف مستشفيات القطاع ؟!".

قبل أن يواصل تساؤلاته الاستنكارية "كيف سيكون رد فعل العالم لو ارتكب الفلسطينيون ما ارتكبته إسرائيل عام 2014 ؟!"، في إشارة إلى قتلها 21 طبيبا و556 طفلا واستهداف 47 سيارة إسعاف.

ومنددا بما قال إنها سياسة كيل بمكيلين يتبعها المجتمع الدولي، مضى قائلا إن "إسرائيل قتلت 2200 شخصا، بينهم 556 طفلا، و200 امرأة، ولا تزال تحظى برعاية الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي".

ويزيد جيلبرت بأن "إسرائيل تنتهك القانون الدولي بشكل فاضح (..) هل منحت الدول الكبرى إسرائيل حق احتلال الأراضي الفلسطينية ؟!، لماذا تحرم هذا الدول الفلسطينيين من حق الدفاع عن أرضهم في وجه الاحتلال الإسرائيلي ؟! واشنطن تدعم البطش الصهيوني، وتغطي على جرائم الاحتلال في غزة والضفة الغربية، وتتجاهل حق 9 ملايين لاجئ فلسطيني في العودة إلى وديارهم في فلسطين".

داعيا إلى دعم عربي أكبر للفلسطينيين، يقول الطبيب النرويجي، الذي يتمتع بخبرات في مناطق النزاعات والحروب، إن "العرب يشاهدون الازدواجية الأمريكية الفاضحة، فواشنطن مثلا تدعم أوكرانيا؛ لأن لها مآرب سياسية في مواجهة روسيا، بينما تدعم إسرائيل مع أنها ظالمة (..) واشنطن تقدم المصالح الاقتصادية والسياسية والعسكرية والتسليحية على الأعراف الإنسانية والقانونية، وهذا بظني كفيل بإشعال الغضب العربي".

جيلبرت ينتقد أيضا ما يقوله إنه "غض طرف من الاتحاد الأوروبي والدول الغنية ذات التاريخ الاستعماري عن الجرائم الإسرائيلية (..) مخدوع من يصدق أن أحدهم فعل شيئا لوقف إجرام الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، أو على الأقل محاسبتها".

ويتمنى "منح مليوني مواطن في غزّة حق الحياة، وكذلك الأبرياء في سوريا وليبيا والعراق (..) وعلى كل خيّر في هذا العالم الوقوف بجانب المشردين والمساكين، فمسؤوليتنا تحتّم علينا حماية ما بقي في هذا العالم من إنسانية. التاريخ سينبذنا حين نتخلى عن مبادئنا وعن نصرة القضايا العادلة. ومن العار واللا إنسانية أن تفرت الدول المسؤولة في إنسانيتها بسبب مصالح لا تدوم".

ويختم الطبيب النرويجي حديثه بأنه "لو يتنحى العالم عن مشاهدة التلفاز ومتابعة الأخبار عبر الفيس بوك وتويتر، وينهض ليخدم العدالة والحريّة والإنسانية كما فعل التونسيون بادئ الأمر في الدول العربية (يقصد الثورة التونسية أواخر 2010)، أعتقد أن وجه العالم سيتغير كثيرا".

مصادر عدل